‘زيارة خاطفة إلى مملكة الحب‘ - بقلم : ناجي ظاهر
01-04-2025 05:08:43
اخر تحديث: 01-04-2025 15:41:00
يعتبر كتاب "في الحب والحب العذري"، للدكتور صادق جلال العظم، في رأيي، واحدا من الكتب الثورية، التي ارادت للانسان العربي ان يعيش ذاته، بعيدا عن العقلية التقليدية الغيبية السلفية، خاصة تلك التي تكبل حريته،

ناجي ظاهر - صورة شخصية
وتحدد وجوده بقيم ومثل تقليدية متوارثة، وبعيدة عن المنطق الواقعي للوجود الانساني في عصر يضج بالحركة والتحولات المتسارعة.
الدكتور صادق جلال العظم من مواليد دمشق عام 1934، رحل عن عالمنا قبل نحو العقد، عام 2016، وكتابه هذا يندمج في مشروعه الثقافي الفكري، ابتداء بكتابه التوعوي "النقذ الذاتي بعد الهزيمة"، المقصود هزيمة 1967، مرورا بكتابه الذي لا يقل اهمية عن "ذهنية التحريم"، انتهاء بكتابه موضوع حديثنا " في الحب والحب العذري"، وهو كتاب صغير الحيز، حوالي المائة صفحة، كبير الفائدة، لمن يهمه عقله ووجوده في هذا العصر، عصرنا المختلف. قرات هذا الكتاب قبل عدة عقود. بعد ان اعاد طباعته في بلادنا الصديق المرحوم فؤاد دانيال. الناشر العربي الاول بعد قيام اسرائيل، واعدت قراءته بعدها بفترة، ثم اعدت قراءته بعدها بفترة مديدة.. نسخة كتاب في جريدة، المشروع الذي رعته مؤسسة اليونيسكو الثقافي العالمية، وصدر مرفقا بالعديد من الصحف المهمة التي تصدر في العالم العربي المحيط بنا. هذه النسخة صدرت مرفقة بصحيفة "القاهرة" المصرية.
يفتتح العظم كتابه بتمهيد يقول فيه ما مفاده انه يفترض ان يقدم تعريفا للحب، غير ان مثل هذا التعريف غير ممكن، ويضيف ان الاقوال كثرت في الحب حتى انه بات لكل من المفكرين، وحتى الناس العاديين، رأيه واجتهاده الخاص فيه، وهو ما يعقد الامر قليلا مع القراء، فيدنيه( المقصود المؤلف/ العظم)، من الوقع في ورطة. مهما يكن الامر مؤلف الكتاب، يقدم رؤيته الواعية للحب، رائيا فيه ظاهرة مركبة جدا تقف الشهوة الجنسية في صلبها، الا انها لا تعبر عنه تمام التعبير.
في فصل هام جدا في كتابه هذا. عنوانه "مفارقة الحب"، يرى المؤلف ان الحب مثله مثل اي عاطفة انسانية اخرى يتصف ببعدين رئيسيين. الامتداد في الزمان اي دوام الحالة العاطفية واستمرارها عبر فترة معينة من الزمان. والاشتداد، وهو يدل على عنف الحالة العاطفية وحدتها في لحظة ما من الزمن. في هذا الفصل يوجه العظم نقدا شديدا للنظرة التقليدية السلفية للحب. تلك التي تحدده باطار الزواج فقط، ويؤكد، اكثر من مرة، ان اشتداد الحب هو المطلب الانساني الحقيقي. يقول. ان الانسان. وهو هنا يعني الذكر والانثى على حد سواء. الذي لم يعرف طعم التجربة العاطفية الكبرى، يقصد الاشتداد، ولو مرة واحدة في حياته، لا يستحق الا الشفقة لانه لا يعرف ما فاته في الحياة. ويضيف ان الحل المثالي لمفارقة الحب، بلا شك، هو ابقاؤه الى الابد في اقصى درجة من الاشتداد والحدة فلا يطرأ عليه وهن او انحلال او ملال.
يصول العظم في هذا الفصل ويجول في كتب التراث العربي، والحديثة، والاجنبية ايضا، ليصل الى نتيجة هامة جدا هي ان عاطفة الامتدا في الزمان ممثلة بالزواج التقليدي وحتى الزواج بمطلقه، عادة ما تترك فراغا لدى كل من طرفيه، يحلم بلحظات اشتداد العاطفة.
يتحدث العظم في كتابه هذا مطولا عن ثلاثة انواع من العشاق. اتوقف عند كل منهم بكلمات سريعة. العاشق الدون جوان. وهو ذاك الذي يبحث عن اشتداد الحب، متوسلا بكل الاساليب بما فيها الكذب والخداع والتضليل، لجعل عاطفة الحب متقدة ملتهبة. والعاشق العذري. نسبة لبني عذرة الذين اشتهروا بهذا النوع من الحب، وهذا العاشق يحاول، عن قصد او غير قصد، ان يبقي شعلة الحب متقدة بمحافظته على مسافة البعد عن الحبيب، وعدم الارتباط به. يختلف هذا العاشق عن الدون جوان في انه يركز على حبيبة واحدة. ويقدم العظم نموذجا لهذا العاشق بجميل بن معمر. فقد كان بامكانه الزواج من بثيناه/بثينة. الا انه لم يفعل، وهو بهذا يرى ان هذا النوع شهواني.. يتستر بالعفة، الامر الذي دفع بنزار قباني للتعقيب على ما ذهب اليه العظم قائلا: "قبل هذا الكتاب كان العشاق العذريون في تصورنا انقياء كالملائكة، معصومين كالقديسين. وياتي صادق جلال العظم في هذا الكتاب ليمزق القناع عن وجوه العشاق العذريين، وليكشف بالمنطق الفكري الفلسفي العميق، انهم كانوا في حقيقتهم نرجسيين شهوانيين".
بعدها يتحدث عن العاشق الدون كيشوتي، وهو ذلك العاشق الحاضر دائما وابدا للوقوع في الحب، لا يهم مع من، وهو يرى ان هذا النوع من العشاق تغلب عليه الرغبة الجنسية المكبوته، وان من يعرب لها عن محبته. عادة ما تتمنع عليه وترفضه لانها تعرف انه يريد منها شيئا واحدا هو الجنس. ويتجاهل ما تتصف به من خصال اخرى تفاخر بها. العظم يتحدث عن نوع اخر من العشاق، امثال الخليفة المتوكل الذي ارتبط بالالاف من الجواري والنساء، ويرى ان صفة المجون هي ما تنطبق عليه، لهذا لا يعتبر عاشقا وانما ماجنا.
يؤكد العظم في كتابه هذا اهمية عاطفة الحب الحقيقي، عاطفة الاشتداد المنشودة، لدي كل انسان عاقل ويحترم انسانيته ووجوده، ويضع في نهاية كتابه خطاطة او شبه خطاطة، يقترحها لمجتمع اكثر عصرية وواقعية وعقلانية. تضم عددا من البنود. منها. خلق اوضاع اقتصادية واجتماعية جديدة تؤدي الى تحرير العواطف والانفعالات والرغبات المكبوتة في الفرد من اغلالها التقليدية. اضافة الى تحرير جسم الانسان، خاصة من الناحية الجنسية، من النظرة التقليدية التي كانت تربطه دوما بالخطيئة والزلة والتهلكة والشهوة الحيوانية وتحرير نظرتنا اليه من مفاهيم العيب والعار والحرام وابدالها بنظرة موضوعية علمانية تعتبر الجسد شيئا من الاشياء الموجودة في الكون، له مميزاته من جمال وقبح ومن كمال ونقص، من رغبات جنسية من جهة وفكرية وفنية رفيعة من جهة ثانية. ويضيف العظيم الى هذا قوله ليس في النظر الى الجسم الانساني واعصائه ووظائفه ما يعيب او يشين على الاطلاق، حتى نعمل جاهدين على دفنه وستره واخفائه متخطين بذلك حدود ما تطلبه السلامة والوقاية والعافية وكأننا امام فضيحة كبرى نريد سترها وعدم انتشارها. ويشدد على اهمية تحرير الرابطة الزوجية من قيودها التقليدية وارتباطاتها الاقتصادية والاجتماعية والعشائرية، والاتجاه بها من مؤسسة خاضعة في كل تفاصيلها للعرف الاجتماعي وشريعة الامتداد، الى علاقة لا تقوم الا على اساس الاختيار الحر والمتكافيء بين الطرفين المعنيين في الشروع بالعلاقة او الاستمرار بها او انهائها، وتفترض هذه الخطوة تحرير المرأة من الاستعباد التقليدي.
خلاصة الرأي ان كتاب "في الحب والحب العذري"، لصادق جلال العظم، كتاب صغير الحجم كبير الفائدة.. وانه كتاب يؤثر في قارئه.. بحيث يضحي بعد قراءته انسانا اخر. افضل واكمل واكثر عقلانية، انسانية وعصرية.
كتاب هام جدا.. يستحق القراءة.. اقترح عليكم قراءته..
من هنا وهناك
-
مهاجمة القرش للغواص: لماذا تتجمع أسماك القرش قرب شواطئ الخضيرة في هذا الموسم؟
-
‘ عودة ديك ‘ - قصة بقلم : ناجي ظاهر
-
بالفيديو : البحث عن غواص هاجمته سمكة قرش في أحد شواطئ الخضيرة
-
ترامب يهنئ خصومه السياسيين : ‘عيد فصح سعيد لجميع المجانين‘
-
الشاب بشار أبو عابد من رهط يجتاز الامتحانات النظرية لمنظمة الطيران الدولي : ‘خطوة تقربني من قمرة القيادة‘
-
نيجيري يعاني من التوحد يحطم الرقم القياسي لأكبر لوحة فنية على القماش
-
ذعر في الجو : أرنب في محرك طائرة كاد يتسبب بكارثة
-
مسن إسباني بعمر 88 عاماً يمارس التزلج لكسر الروتين
-
‘ المدير الغرير ‘ - قصة بقلم : ناجي ظاهر
-
مطلة على البحر - بقلم : د. غزال ابو ريا
أرسل خبرا