عندما أعدتها في ذاكرتي كان السبب بعيدًا كل البعد عن البلاغة، كان من المفروض أن تنشر هذه الكلمات في رمضان، سوى أني قررت ألا أكتب في الشهر الفضيل، عندما أعدتها لم أكن أسمع صوت الطرق بل كنت أستمع صوت الرصاص، ذلك الذي أطلق علي الصديق صبري أبو فريح، الناشط المعروف طيب القلب الذي يشارك الناس همومها وأحزانها وأفراحها، قد تختلف مع صبري في كثير من طريق عرض المشاريع والاقتراحات إلا أنه من المستحيل أن نختلف على أهمية ما يقدمه، حتى أني قلت له مرة مازحًا وبصدق، "إلي مش عند صبري ما حد بيعرف عنه" صبري كان وما زال مركز الاحداث والأخبار والنشاط، ما الذي حدا بأحدهم أن يطلق النار على صبري؟.
المتفحص للأمر دون الخوض في التفاصيل يقول أن خلافات مادية لا علاقة لصبري بها مع أحد أفراد العائلة أوصل إلى إطلاق النار على الصديق صبري، ما الهدف ؟ ربما التخويف أو إظهار الجدية في القرار والعزم على انهاء الإجراءات المالية، صدقوني ليس مهمًا كما نتصور، بيت القصيد هنا، أن النار أطلقت على من لا علاقة له بالموضوع وحتى لو كانت هناك قرابة دم، فعندما يشترك أطراف ما في معاملات مالية صحيحة أو مشبوهة ويجنون الملايين أو يخسرونها، الأطراف التي تتعامل هي المسؤولة في المقام الأول والأخير وليس كل من هب ودب من العائلة.
في هذا المنطق والعرف البدوي هناك مسائل بحاجة لإعادة الصياغة وإلا أصبح الحبل على الغارب، المبدأ الأساس أن من يستشار يكون مسؤولًا ولو من باب المعرفة وإعطاء الموافقة، أما عندما يكون الطرف كما يقول البدو" يا غافل لك الله " فماذا ننتظر وماذا كان يتوقع صبري وربما أنا وأنت وغيرنا سنجد أنفسنا في نفس الموقف.
صبري هنا يمثل واقع غريب طرف ما قرر ونفذ واشتغل وكسب وخسر ثم تُحمل المسؤولية على أطراف أخرى، لست خبيرًا بالعرف والعادات القبلية إلا أن القليل الذي أعرفه يهدينا دائمًا للاستنارة بالعدل والمنطق، فأين العدل والمنطق هنا، وإن كان في السابق يومَ كانت العائلة والقبيلة الكل يعرف عن الكل الآن الواقع يختلف تمامًا، فالأخوة لا يعرف بعضهم عن بعض من أعمال ونشاط اقتصادي واجتماعي أو حتى نشاط إجرامي، لا أحد يشارك أحدٍ المعلومة، وهذه في الأساس طبيعة العلاقات المشبوهة أو غير القانونية.
المجتمع العربي يمر بتغييرات جذرية في مستوى العلاقات والعمل والتجارة وتشعب كثير من مناحي الحياة، ألم يأن الوقت كي نراجع حساباتنا إلى أين؟ ولا أربط هنا بين صراعات الخاوة والظلم ، بل بين العرف والعادة والنظم الاقتصادية الحديثة المعقدة والمخفية عن عيون غالب الناس ولو من باب طبيعي هو الحفاظ على اسرار العمل.
نحن في زمن تاهت فيه القيم وضاعت معالم الطريق ويكاد يصبح عنوان المرحلة القوة وليس العدل والإنصاف، وللأسف القوة في الماضي كان يحكمها مواثيق وعهود، اليوم القوة أصبحت في يد من لا يعلم معناها ويطلق النار لجلب المال هكذا دون إنذار أو حتى تقصي الحقائق.
وحتى نلتقي، صبري هو أيقونة وإنذار لنا كمجتمع حول خروج المنظومة عن سكّتها الصحيحة، وفي كل الطرق هناك عقبات. إن سكتنا تمادى تدهور القطار وانحراف مساره أما إذا وقفنا لنقول أن صاحب الحق له الحق ممن عليه الحق والمستفيد والمستمتع من المصلحة ولا غير فهذا عين الصواب، بأن في ذلك إنصاف للطالب والمطلوب منه.
ولذلك ربما لن يكل متني من الطرق على الأبواب حتى نتوقف عن إطلاق الرصاص، حتى نعود بشرًا عاديًا يختصم فيحتكم، لا يختصم فيفجر أو يفجر.
شفى الله الصديق صبري وأعادة إلى سابق عهده من نشاط وأنار الله عقولنا وقلوبنا.