في قلب قطاع الهايتك، من خلال أول حاضنة تكنولوجية للنساء في الجنوب، بالتعاون مع مجموعة تَمام للمبادرات وصندوق بورتلاند. جمعية أثَر تأسست في صيف 2024 بشراكة مع صندوق بورتلاند ومجموعة تَمام.
المبادرة، التي تمثل نموذجًا اجتماعيًا-اقتصاديًا متكاملًا، أتاحت للنساء البدويات الأكاديميات فرصة الانخراط في مسار تأهيلي عملي يمتد على 400 ساعة، يشمل مجالات الأتمتة (Automation)، ضمان الجودة (QA)، والمهارات الشخصية. الخريجات سيعملن من داخل أول حاضنة تكنولوجية نسائية أُقيمت في متنزه التشغيل "عيدان هنيجف"، والتي جرى فيها أيضًا تنفيذ التدريب، وذلك في بيئة مصممة خصيصًا لتناسب السياق الثقافي والاجتماعي للمشاركات وتلائم خصوصيتهن الحياتية.
النتائج كانت استثنائية: 90٪ من خريجات الدفعة الأولى تم دمجهن بنجاح في وظائف مرموقة في الهايتك خلال ثلاثة أشهر فقط من إنهاء البرنامج، مما يجعل هذا المشروع سابقة فريدة في مجال دمج النساء البدويات في الهايتك. ويأتي هذا الإنجاز في سياق نجاحات متراكمة لصندوق بورتلاند، الذي ساهم سابقًا بتشغيل أكثر من 310 شابًا وشابة عربية في قطاع التكنولوجيا، خصوصًا في وظائف البحث والتطوير (R&D).
فرات البدور من اللقية، خريجة برنامج أثر: "انضمامي لبرنامج أثر كان نقطة تحول في حياتي. درست مساقات في فحص الأنظمة ERPوأتمتة ضمان الجودة QA Automation، وتغلبت على التحديات بمساندة زميلاتي والموجهين في الجمعية. كامرأة بدوية، أشعر بالفخر كوني من أوائل من يخترقن عالم الهايتك، وأتطلع إلى ترك أثر حقيقي في مجتمعي من خلال العلم والإرادة."
شارون هيرشفلد، المديرة العالمية لتقنية المعلومات (Global CIO) وإستي عميت، مديرة التطبيقات التجارية العالمية في شركة كورنيت ديجيتال: "يفتخر قسم تقنية المعلومات في شركة كورنيت بأن يكون جزءًا من هذه المبادرة، إلى جانب فريق من النساء الرائدات. لقد أُعجبنا منذ مرحلة المقابلات الأولى بالجودة والمهنية العالية للمشاركات. وعلى الرغم من أن هذا هو أول منصب لهن في مجال التكنولوجيا، فقد أظهرن معرفة، وفهمًا تقنيًا، وقدرات مبهرة. ستنضم النساء إلى فريق تقنية المعلومات في كورنيت، وسيلعبن دورًا محوريًا في العمليات الحيوية لجوهر عملنا. نحن نؤمن بقدرة المتدربات الجدد على الابتكار، والنمو، وإحداث التغيير – ونشكر على الفرصة بأن نكون شركاء في هذه الخطوة المهمة."
"تشكل هؤلاء النساء مواهب عالية الجودة قادمة من خارج الدوائر التقليدية في هذه الصناعة"
وقال سلافيك غيملبراند، نائب المدير العام لتطوير الأعمال في قسم أوراكل لدى شركة ONE: "اتخذت مجموعة ONE قرارًا استراتيجيًا بالانضمام إلى صفوف كبار المشغلين في إسرائيل، ودمج خريجات برنامج التدريب التابع لجمعية أثر – نساء متميزات من المجتمع البدوي يخترقن عالم التكنولوجيا. تشكل هؤلاء النساء مواهب عالية الجودة قادمة من خارج الدوائر التقليدية في هذه الصناعة. خريجات أثر يتميزن بالاحترافية، والدافعية الاستثنائية، والالتزام طويل الأمد. أنا شخصيًا أعمل مع خريجات مبادرة سَمانا التابعة لمؤسسة بورتلاند منذ عام تقريبًا، وكل لقاء معهن يعزز لدي القناعة بأنهن بالفعل مواهب حقيقية. فالأمر لا ينجح فحسب – بل ينجح بامتياز.
جمعية أثَر تُعد واحدة من أولى المبادرات المجتمعية التي تتناول بعمق مسألة التمكين المهني للنساء في النقب، بقيادة فادية أبو صويص، التي شكّلت الرابط الحيوي بين الجهات المهنية والمجتمع. وقالت خلال المؤتمر: "ما شهدناه ليس فقط دمجًا في العمل، بل ولادة ثقة جديدة بالنفس، وفتح نوافذ كانت مغلقة لعقود أمام نساء بدويات موهوبات." وأكدت فادية أن نجاح البرنامج يُثبت الإمكانيات الكبيرة الكامنة في التوظيف النوعي للنساء البدويات في النقب.
مؤسسة بورتلاند، بالتعاون مع مجموعة تَمام، بادرت إلى تطوير الفكرة وقيادتها. وبصفتها مؤسسة غير ربحية تهدف إلى تعزيز تكافؤ الفرص، الحراك الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية في الهوامش الاجتماعية-الجغرافية، تركّز مؤسسة بورتلاند على دمج الفئات المستبعدة في سوق العمل وتحديدا في الهايتك، من خلال إنشاء جمعيات ريادية قابلة للتكرار في مجتمعات مختلفة في أنحاء البلاد، مما يُحدث تأثيرًا بعيد المدى. في هذا المشروع، ساهمت المؤسسة بخبرتها المهنية، تطوير منهج تعليمي، ومرافقة تنفيذية دقيقة ساعدت على تحويل الرؤية إلى إنجاز ملموس. انضمت مجموعة تَمام، التي توظّف مئات النساء والرجال من المجتمع البدوي في النقب في شركات ومؤسسات اجتماعية، إلى مؤسسة بورتلاند بهدف تجسير التحديات المحلية الفريدة.
لقد تحققت نجاحات البرنامج أيضًا بفضل الوزارات الحكومية التي ساعدت ودعمت المبادرة، انطلاقًا من فهمها للحاجة والفرصة التي نشأت من خلالها.
"أثَر ليس فقط مشروعًا ناجحًا؛ بل هو رسالة قوية"
وفي حديث السيد رامي شفارتس، المدير العام لـبورتلاند: "أثَر ليس فقط مشروعًا ناجحًا؛ بل هو رسالة قوية بأن التنمية الحقيقية تبدأ من المناطق البعيدة عن المركز والمهمشة – من حيث الحاجة أكبر والطاقة الكامنة أعظم. لقد واجه هذا المشروع العديد من التحديات، سواء على مستوى البنية التحتية أو الفجوات المجتمعية، لكنّنا أثبتنا أن الإرادة والتعاون يمكن أن يحوّلا حتى أصعب البيئات إلى منصات للابتكار والفرص."
من جانبه، أكد إبراهيم النصاصرة، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة تَمام: "التوظيف النوعي هو محرّك أساسي لتقدم المجتمع البدوي في النقب. لسنوات طويلة، لم تُتح للشباب والشابات من النقب فرص اندماج في وظائف نوعية ومؤثرة في الدولة. لكن هذه ليست قدرًا محتومًا. بفضل رؤية واضحة، دعم شركاء حكوميين، انخراط شركات هايتك، وعمل دؤوب من جميع الأطراف، يمكننا تخطي كل التحديات وبناء واقع جديد." وأضاف: "هذا النجاح ليس مجرد إنجاز، بل هو إعلان واضح بأن النساء في النقب قادرات على الريادة، متى ما توفرت لهن البيئة الداعمة."
مجموعة تَمام تُعد جهة اقتصادية-اجتماعية ريادية تعمل على خلق فرص مهنية عادلة في المجتمع البدوي، عبر شركات تنشط في مجالات النقل، الغذاء، العقارات، والطاقة، إلى جانب جمعيات تُعنى بالتعليم والرفاه.
الإنجاز الذي حققته جمعية أثَر لم يكن ليتحقق لولا التقاء الرؤية الاجتماعية بقيادة فادية أبو صويص مع الدعم المؤسسي العميق من بورتلاند ومجموعة تَمام. وهو يشكل اليوم علامة فارقة في تاريخ تمكين النساء في الجنوب، ومسارًا واعدًا لبناء اقتصاد أكثر عدلًا واحتواء.
"منح فرص عمل في مجال الهايتك للنساء البدويات في النقب هو أمر في غاية الأهمية"
وقال السيد طلال القريناوي، رئيس بلدية رهط ورئيس منتدى رؤساء السلطات المحلية العربية في الجنوب: "منح فرص عمل في مجال الهايتك للنساء البدويات في النقب هو أمر في غاية الأهمية، ليس فقط لتمكين النساء، بل أيضًا لتطوير المجتمع بأسره. هذه الخطوة تفتح فرص جديدة في سوق العمل، وتفتح أمام شبابنا آفاقًا جديدة للنمو والريادة من داخل بيئتهم المحلية."
تصوير: أيوب أبو مديغم