‘لا تتجاهلوا مشاعركم‘.. طبيب نفسي من دير الأسد يؤكد على ضرورة الانتباه للأعراض النفسية خلال الحرب ويكشف عن ‘إنذارات مبكرة‘
وسط أجواء الحرب والتوتر التي تعيشها البلاد هذه الأيام، تواجه العديد من الأسر والأفراد تحديات نفسية كبيرة قد تؤدي إلى صدمة
الدكتور أمجد موسى من دير الاسد يتحدث عن التحديات النفسية التي تواجه الأسر والأفراد
نفسية حقيقية. فالخوف المستمر، حالة عدم اليقين، سماع صفارات الإنذار، وتكرار الأخبار عن الهجمات والقصف ومشاهد الدمار تخلق ضغطاً هائلاً على الصحة النفسية للجميع، كباراً وصغاراً. هذه الظروف الصعبة قد تؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية، فتولد شعوراً بالقلق، التوتر، وربما أعراض أكثر خطورة تتطلب التدخل والعلاج.
للاستزادة اكثر حول هذا الموضوع، استضافت قناة هلا الدكتور أمجد موسى من دير الاسد - متخصص في علاج الصدمة النفسية ومحاضر في عدد من الكليات والجامعات، للحديث عن مفهوم الصدمة النفسية، وكيف يمكن التعرف عليها والتعامل معها بشكل فعّال.
كيف تُعرف الصدمة النفسية؟
"الصدمة النفسية هي حالة تحدث للإنسان بعد تعرضه لتهديد مباشر أو غير مباشر. فقد يكون حتى شاهدًا على تهديد لسلامة جسده، مما يجعله يفكر بجدية أن حياته قد تنتهي أو تحدث له أمور صعبة للغاية تؤثر على كينونة الجسد وسلامته. وبناءً عليه، فإن الجسم والأفكار والمشاعر والتصرفات لا تستطيع استيعاب حجم الحدث وصعوبته. وفي هذه المرحلة يُصبح الإنسان غير قادر على الاستمرار في حياته كما كان من قبل، ويحدث انقطاع في الارتباط بالذات، وتُسمى هذه الحالة "صدمة نفسية".
يعرّف بعض الباحثين الصدمة النفسية على أنها انقطاع حتى عن الذات، حيث يفقد الإنسان التواصل مع ذاته بسبب الحدث الذي تعرض له. في كتب علم النفس التشخيصية وغيرها من الكتب، نجد تعريفًا أساسيًا وواسعًا للصدمة النفسية بأنها انقطاع الاستمرارية الحياتية، أي أن الإنسان يفقد القدرة على مواصلة حياته كما كان قبل الحدث. في هذه الحالة، يُسمى الحدث الذي وقع "حدثًا صادمًا"، ويمر الإنسان بصدمة نفسية قد تؤثر بشكل حقيقي على تصرفاته وأفكاره ومشاعره، وأيضًا على جسده، وبالأخص على مناطق في الدماغ والقلب".
من هم الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالصدمة النفسية؟
"أي شخص تعرض لصدمات نفسية سابقة ولم يتلقَ العلاج المناسب، ولم يكن يمتلك آليات مواجهة فعّالة، أو لم يكن لديه مستوى عالٍ من الحصانة النفسية، يكون أكثر عرضة للإصابة بصدمة نفسية ثانية تكون أشد من غيره. بالنسبة للفئات العمرية، وحسب أبحاث محلية أُجريت في الداخل الفلسطيني، تبين وجود شريحتين تعانيان بشكل خاص من علامات الصدمة النفسية أكثر من غيرهما، وهما الأطفال وكبار السن. والسبب بسيط جدًا، وهو ما نوضحه بالتفسير العلمي والبحثي: البالغون يميلون إلى العمل والخروج لساعات طويلة حتى في أوقات الأزمات، وهذا يمنحهم شعورًا بالإنجاز والنشاط، مما يساعدهم على تخفيف تأثير الصدمات النفسية. حتى المرأة التي تبقى في المنزل وتقوم بالأعمال المنزلية مثل الطبخ، تشعر بإنجاز من خلال عملها، وهذا يخفف من أثر الصدمة عليها.
أما كبار السن، فهم يميلون أكثر إلى قلة الحركة وعدم الانخراط في أنشطة منتجة، مما يجعلهم أكثر عرضة للصدمة النفسية بسبب نقص الإحساس بالإنجاز. الأطفال، من جانبهم، يرتبطون بشكل كبير بالبالغين، وهم أقل خبرة ومعرفة بكيفية التعامل مع الأزمات، كما أن تجربتهم السابقة محدودة. لذلك، قد يستقبلون المواقف الطارئة بردود فعل مبالغ فيها نتيجة تأثرهم بردود فعل الكبار من حولهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للهلع والخوف".
ما هي العوارض والمظاهر التي يمكن من خلالها اكتشاف إصابة الشخص بالصدمة؟
"رغم تعدد أعراض الصدمة النفسية إلا أن هناك بعض العلامات التي يمكن اعتبارها مؤشرات أساسية ودقيقة تدل على وجودها أول هذه المؤشرات هو عامل الزمن فعندما يمر الإنسان بحدث صادم عليه أن يراقب ما يحدث له خلال فترة ما بعد الصدمة ، الكتب النفسية تشير غالبا إلى مدة شهر لمراقبة الأعراض لكن من خلال تجربتي في العيادة أرى أن المدة الأدق هي ثلاثة أشهر فما فوق فإذا استمرت الأعراض خلال هذه الفترة فإننا نكون أمام حالة تستدعي الانتباه من بين هذه الأعراض أن يستعيد الشخص الحدث الصادم رغما عنه ودون أن يقصد ذلك مثلا أن يتذكر تفاصيل الحادث بينما هو في لحظة هدوء أو سعادة مع عائلته أو أثناء الأكل فيشعر وكأن الحدث يقتحم ذهنه دون سابق إنذار.
مؤشر آخر هو سلوك التجنب أي أن يبدأ الشخص في الابتعاد عن أماكن أو مواقف كان معتادا عليها قبل الحادث كأن لا يستطيع المرور من المكان الذي شهد الصدمة أو أن يتجنب الحديث أو التفاعل مع أشخاص مرتبطين بالحدث.
كذلك قد تظهر علامات جسدية تشير إلى أن الجسم لا يزال يعيش الصدمة وكأنها تحدث في اللحظة ذاتها فيشعر الشخص بتسارع دقات القلب أو بانقباض شديد في الصدر وكأن قلبه يريد الخروج من مكانه وهذه الأعراض قد تكون مؤشرا واضحا على أن الصدمة لم تُحل بعد وما زالت حاضرة في الجسد والنفس. ومن المهم التنبه إلى ما أسميه الصدمة الخفية وهي صدمة لا تكون واضحة لكنها تظل كامنة في داخل الإنسان وتسيطر عليه بصمت ثم تظهر فجأة عند حدوث موقف صعب جدا وغالبا ما تصيب هذه الحالة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو من لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بسبب القيود الاجتماعية أو النفسية. وقد رأينا حالات كثيرة لانفجارات عنيفة مفاجئة تظهر على شكل سلوك عدواني غير متوقع كأن يعتدي شخص على والدته أو زوجته بشكل عنيف نتيجة تراكم صدمة لم تُفهم ولم تُعالَج . هذه بعض المؤشرات التي تدعونا إلى عدم الاستهانة بالأعراض النفسية ومتابعة ما إذا كانت تستمر مع مرور الوقت وتتداخل في حياة الشخص اليومية".
ما الذي يمكن فعله في اللحظة الأولى بعد التعرض لحادث صادم؟
"في مثل هذه اللحظات، النقطة الأساسية التي ينبغي أن نبدأ منها هي أن نكون متصالحين مع أنفسنا، أن نكون مدركين لما نشعر به، وواعين لما يحرّكنا من الداخل. من المهم ألا نكبت مشاعرنا، بل أن نمنحها مساحة للتعبير عنها ضمن إطار آمن ومناسب. فعلى سبيل المثال، إذا كنت قد مررت بلحظة صادمة كأن يسقط صاروخ بالقرب منك، لا ينبغي أن تكتم هذا الأمر في داخلك، بل حاول أن تتحدث عنه مع دائرة الدعم القريبة منك، كزوجتك أو صديق مقرّب. انتبه ألا تُحمّل أطفالك هذا الحديث، لأنهم لا يملكون أدوات الفهم الكافية، وقد يبالغون في تفسير كلماتك، مما يزيد من أثر الصدمة لديهم.
الخطوة الأولى التي يمكن اتخاذها بعد الصدمة هي أن تجد مساحة تعبّر فيها عن مشاعرك، بعد أن تتصالح معها وتفهمها. لا تنكر ما حدث، ولا تحاول أن تبدو الأقوى في العالم. الاعتراف بالضعف الإنساني هو بحد ذاته قوة، وهو ما يمنحك بداية صحيحة نحو التوازن النفسي.
من الجيد أيضًا أن تبحث عن الطرق التي تساعدك في التخفيف، سواء كانت عبر الحديث، أو من خلال العمل والإنتاج، أو حتى عبر أعمال منزلية بسيطة تشعرك بأنك قادر على العطاء. بعض الأشخاص يعبّرون بالكلمات، وآخرون بالإبداع اليدوي أو التنظيم. كل شخص يملك نقطة قوة يمكن أن ينطلق منها.
ولا تنسَ أن تحمل فقط ما هو فعلاً من مسؤوليتك. لست مسؤولًا عن الحروب أو الكوارث. ما ليس بيدك تغييره، لا تحمّله لظهرك. مسؤوليتك الحقيقية تبدأ من نفسك، من قدرتك على أن تعقل وتتوكل، أن تواجه، وأن تمدّ يدك لأفراد عائلتك ومجتمعك لتجاوز الأزمة سويًا. الفعل الأهم هو أن تكون صادقًا مع نفسك، وأن تمنحها الحق في الشعور، ومن ثم تجد الطريقة الأنسب للتعبير، والدعم، والمواجهة".
من هنا وهناك
-
مصرع الطفل جود عماد العمراني من رهط غرقا في أريحا
-
طلاب عرب يحتفلون ‘بيوم الطالب البديل‘ في حيفا: ‘فضاء حرّ للتعبير عن هويتنا الفلسطينية‘
-
الوزير عميحاي إلياهو: ‘يجب احتلال غزة.. غزة يجب أن تكون يهودية‘
-
رجل بحالة خطيرة اثر تعرضه لحادث عنف في طلعة عارة
-
حالة الطقس: انخفاض طفيف على درجات الحرارة
-
عز الدين الفاهوم يتحدث عن تحويل معاشيْن متأخرين لحسابات موظفي بلدية الناصرة والمتقاعدين
-
محمد الهيب يتحدث عن زيارة الوزير بن غفير مع قوات من الشرطة لطوبا الزنغرية
-
وديع ابو نصار يتحدث عن دعوة 15 دولة غربية إلى إعلان عزمها الاعتراف بدولة فلسطينية
-
عبد الهادي خروب يتحدث عن أسرار التنظيم الناجح وأهمية البُعد النفسي في بيئة العمل
-
كايد ظاهر يتحدث عن استعدادات الاطفاء للحرائق في موجات الحر الشديد
أرسل خبرا