الصغار من الصواريخ، تظهر دعاء مع دمية بيدها، ودفتر حكاياتٍ بالأخرى، لتحوّل الخوف إلى خيال، والرعب إلى رحلة بطولية، تكتب قصصًا للأطفال، ليس لتهدئتهم فقط، بل لبناء جيل يُجيد التفاؤل رغم كل الظروف.
"تمرّ طمرة بظرف صعب جدًا"
وقالت دعاء ذياب في مستهل حديثها لموقع بانيت وقناة هلا حول الوضع في طمرة خلال هذه الايام: "يا رب الأمن والأمان لبلدي الحبيبة طمرة. تمرّ طمرة بظرف صعب جدًا، فقد عايشنا ظروفًا قاسية في السابق، لكنها لا تُقارن بما نمرّ به اليوم. يا رب السلامة لكل فرد من أفراد طمرة، فقد تضررت البلدة نفسيًا وماديًا. نحن بلد واحد، وهمّنا واحد، ووجعنا واحد. صحيح أن الدوائر تختلف قربًا وبعدًا، لكن الألم شمل الجميع، من كل الأعمار، وفي كل المجالات".
وتتابع: "كنت في زيارة ميدانية بعد سقوط الصاروخ في الحي المنكوب في طمرة، فقط لأستمع إلى الناس وأقف بجانبهم. أحيانًا يكفي أن نقول لهم: نحن هنا، بجانبكم. ففي تلك البيوت، هناك أطفال، وهناك أمهات وآباء. سمعت صرخة لامست قلبي بشدة، صرخة أب قال لي: أنا لا أعرف كيف أتعامل مع ابنتي، لا أعرف كيف أتصرف، لا أعرف كيف أقول لها إنني خائف...".. من هذا المشهد المؤلم، ومشاهد أخرى رأيتها من دمار وخوف، لملمت ما تبقى مني، وقررت أنني لا بد أن أتحرك. كلٌّ منّا يتحرك من مكانه، بما يستطيع، وهذا ما يعطينا القوة لنقف إلى جانب بعضنا. قررت أن أبدأ بحوار يمنح الخوف شرعية، للأطفال، وللكبار، وللأهل كذلك."
ومضت قائلة : "أعددت حوارًا مع دمية مرافقة، ليست بشكل ولد أو بنت، بل بشكل يستطيع أي شخص أن يتماهى معه. فالتماهي مع شخصية غير محددة الجنس يجعل من السهل على الطفل أن يُسقط عليها مشاعره، ويتفاعل معها.مع صديقي العزيز «أناناس»، قدمت هذا الحوار، لنخفف عن الأهل والأطفال، ولنمنح الخوف حقه، ونعطي مشاعرنا مساحة للتعبير عنها. حتى اليوم، لا يزال الخوف يرافقنا، ويعود مع كل صفّارة إنذار، بنفس المشاعر، ونفس السيناريو. لذلك، ركزت على كيفية التخفيف من وتيرة الخوف، لأنه لن يزول تمامًا، ولكن يمكننا الحديث عنه والتعامل معه. قدّمت ذلك من خلال فيديو قصير."
"الدمية والقصة لهما تأثير عميق في مشاعر الأطفال"
وحول دور الدمى والقصص في تخفيف الأثر النفسي على الأطفال في بيئات النزاع، قالت دعاء: "الدمية والقصة لهما تأثير عميق في مشاعر الأطفال، خاصة في فترات النزاع. في فترة الحرب، اخترت مجموعة قصص أعمل بها مع الأطفال، من ضمنها قصة عائلة سمسم في خطر. هذه القصة تتيح للطفل التماهي مع الشخصيات، وتفتح له مساحة آمنة للتعبير".
"القصة لا تؤثر فقط في مشاعر الطفل بل تُنشّط خياله، وتساعده على التعامل مع الواقع بطريقة أقل قسوة"
وأشارت دعاء الى "أن القصة لا تؤثر فقط في مشاعر الطفل، بل تُنشّط خياله، وتساعده على التعامل مع الواقع بطريقة أقل قسوة. في مثل هذه الأوقات الصعبة، وداخل الملاجئ، أوصي الأهل - رغم قساوة الوضع النفسي - بمحاولة إلهاء الطفل من خلال قصة تنقله لعالم آخر، فهذا أمر في غاية الجمال. يمكن للطفل، حتى وإن كان كبيرًا قليلًا في السن، أن يعبّر عن مشاعره من خلال قصة نرويها له أو نقرأها معه. نسأله: لماذا كان بطل القصة غاضبًا؟ أو لماذا كان حزينًا؟ وسيجيب الطفل عن نفسه دون أن يدري، من خلال الشخصية. وهذا يفتح بابًا مهمًا أمام الأهل لفهم عالم طفلهم الداخلي. القصة تتيح للأهل أدوات كثيرة للدخول إلى عالم أطفالهم، وللتعامل معهم بطريقة حسّاسة. فهي لا تقتصر على الصغار، بل تساعد الكبار أيضًا على مواجهة خوفهم، وتخفيف توترهم. أما الدمية، فلها دور مهم جدًا في حياتنا اليومية. يمكننا أن نحاور أطفالنا من خلالها، وكأنها من يتحدث إليهم، لا نحن. وأي دمية موجودة في البيت تصلح لذلك، سواء كانت في غرفة الطفل أو في مكان اللعب."
وأضافت: "قد لا يرغب الطفل بمشاركة مشاعره مع والديه، لكنه سيفعل ذلك مع الدمية، خاصة عندما يشعر أن الدمية تتحدث معه بطريقة لطيفة وغير مباشرة. ويمكن استخدام الدمية في إطار فكاهي أيضًا، لإخراج الطفل من الحالة النفسية الصعبة. فالدمى متعددة الاستخدام، ولها أبعاد عميقة في التعامل مع مشاعر الأطفال."
"الأزمة وصلت إلى عمق النفوس، حتى الطفولية منها"
عن أصعب تجربة خلال تقديم عروضها في الملاجئ او المناطق المتضررة، قالت دعاء ذياب: "من أصعب التجارب التي مررت بها، أن أسمع من طفل صغير – في الصف الأول أو الثاني – كلامًا حزينًا ومشاعر موجعة. هذا الطفل لم يكن من الدائرة المباشرة للضرر، بل من منطقة أبعد، لكن حين قال لي: لماذا نختبئ؟ ما الفائدة؟ الحياة ستنتهي على أي حال! شعرت بألم مضاعف. أن يسمع المرء هذه الكلمات من طفل صغير، فهذا يزيد من وجعي، ويؤكد أن الأزمة وصلت إلى عمق النفوس، حتى الطفولية منها". واختتمت قائلة: " أناشد كل شخص، في أي مهنة كان، أن يزرع الأمل في نفوس الأطفال، وفي نفسه، وفي كل من حوله. وأن يضع إرادة الله فوق كل حدث وقع، أو سيقع."
