logo

عالقون في دوّامة العمل وتشعرون أن يومكم لا يتّسع لكل شيء؟ باحث في السعادة يُقدّم نصائح لتحقيق التوازن بين العمل والحياة

موقع بانيت وصحيفة بانوراما
06-07-2025 17:21:35 اخر تحديث: 10-07-2025 15:35:47

في زمن الصراع بين المهمات الكثيرة، المتطلبات والمسؤوليات، بات البحث عن التوازن بين العمل والحياة الشخصية ضرورة يبحث عنها كثيرون، ممن باتوا يشعرون أن يومهم لا يتّسع لكل شيء،

وأنهم عالقون في دوّامة العمل المستمر، على حساب صحتهم، وراحتهم، وحتى علاقاتهم. لكن، هل يمكن فعلاً تحقيق توازن صحي بين الالتزامات المهنية واحتياجاتنا الإنسانية؟ وهل توجد أدوات ومهارات تساعدنا على تنظيم الوقت، دون أن نُهمل أنفسنا أو نتخلّى عن طموحاتنا؟

للرد على هذه الاسئلة وغيرها، استضافت قناة هلا مدرب تطوير الذات والباحث في موضوع السعادة والمستشار التنظيمي، الدكتور طلعت شًطروبي، للحديث معه عن أهمية التوازن، وكيفية الوصول إليه بوعي، وتقديم نصائح عملية، تساعد الأفراد على إدارة وقتهم وطاقتهم بشكل فعّال، دون أن يفقدوا إحساسهم بالحياة.

كيف تُعرِّف التوازن بين العمل والحياة؟
"التوازن، في جوهره، هو القدرة على استثمار الوقت والجهد بشكل مدروس، وليس فقط من ناحية عدد الساعات، بل من حيث نوعية الجهد المبذول. عندما نتحدث عن العمل، فإننا نتحدث عن الإبداع، عن رسالة، عن تركيز وبذل مجهود. أما عندما نتحدث عن الحياة، فنحن نقصد الحياة الاجتماعية، والعائلية، والزوجية، والاهتمام بالنفس والرياضة، وجميع مناحي الحياة الأخرى التي نعيشها. التوازن الحقيقي هو أن تنجح في توزيع جهدك ووقتك وطريقتك بين هذين الجانبين بشكل يحقق لك الرضا والسعادة. فهو لا يعني فقط تخصيص وقت لكل جانب، بل فهم احتياجات كل مجال وتلبيتها بما يتناسب مع طاقتك وظروفك".

هل التوازن الكامل بين العمل والحياة ممكن، أم هو مجرد وهم؟
"غالبًا ما ننظر إلى النتيجة النهائية دون أن نلتفت إلى الطريق المؤدية إليها. مثل من يقول: "أريد أن أنقص 10 كيلوغرامات من وزني"، لكنه يركّز على النتيجة فقط دون الانتباه إلى الخطوات اليومية التي توصله لها. لذلك، أقول إن التوازن ليس وهمًا، لكنه يصبح كذلك إذا تعاملنا معه كغاية فورية. أما إذا جعلناه طريقًا نسير فيه بخطوات صغيرة ومتزنة، فإنه يصبح هدفًا قابلًا للتحقيق. لا يمكن الوصول إلى التوازن دفعة واحدة، لأن الحياة بطبيعتها مليئة بالتحديات والضغوط. التوازن يتحقق حين نبدأ بوضع خطوات تدريجية، وعندما نخطط ونبني عادات ثابتة، وليس عندما ننتظر نتائج سريعة".

ما أبرز الأخطاء التي يقع فيها الناس أثناء محاولاتهم تحقيق التوازن؟
"أول خطأ يقع فيه الكثيرون هو التفكير في الوصول إلى النتيجة بسرعة، كما ذكرنا سابقًا. الخطأ الثاني هو أن الفرد يظل حائرًا ومترددًا كلما فكّر في الأمر، فيبدأ بإعطاء العمل أولوية مفرطة على حساب حياته الشخصية. فيقول لنفسه: "سأستثمر وقتي وجهدي في العمل أكثر، لأحقق توازنًا في حياتي الاجتماعية لاحقًا من خلال كسب المال"، أو قد يقول: "سأكتفي بالعمل لثماني ساعات فقط، وسأخصص باقي الوقت لعائلتي"، لكنه بذلك يُهمل عمله.
جميع هذه الاتجاهات قد تُبعد الإنسان عن التوازن الحقيقي، بل وتجعله ينسى جانبًا أساسيًا من حياته، وهو صحته. برأيي، من أهم شروط تحقيق التوازن أن يكون الإنسان سليمًا صحيًّا ونفسيًّا، فالشخص الذي يهمل صحته أو تطوره الذاتي من خلال التعليم والدورات، لن يتمكن من الوصول إلى التوازن المنشود.
أضرب لك مثالًا بسيطًا: تخيّل أن لدينا محورًا في منتصفه الإنسان نفسه، وحوله أربعة أقسام رئيسية. القسم الأول يمثّل الحياة الجسدية أو المادية، ويشمل الأكل، الشرب، الصحة، وممارسة الرياضة. إذا أهملنا هذا الجانب، سيتأثر التوازن حتمًا. ننتقل بعد ذلك إلى القسم الثاني، وهو الجانب العقلي والمعرفي، ويشمل التعلم، القراءة، وتغذية العقل بالمعرفة والراحة النفسية. ثم يأتي القسم الثالث: الجانب الروحي، والذي يُعنى بما يُشبِع الجانب الداخلي للإنسان، من تأمل أو ممارسة الإيمان أو أي نوع من الروحانيات. أما القسم الرابع والأخير، فهو العلاقات الاجتماعية، وهي عنصر لا غنى عنه لتحقيق التوازن. إذا لم نحقق التوازن بين هذه الجوانب الأربعة، فمن المستحيل أن نكون راضين أو سعداء في حياتنا. والتوازن بين الحياة المهنية والشخصية لا يتحقق إلا عبر إدارة جيدة للوقت، وتنظيم ذاتي فعّال. التوازن يتحقق عندما نهتم بهذه الجوانب بشكل متزن، وندير وقتنا وطاقتنا بما يخدم كل منها دون أن يُلغِي أحدها الآخر".

كيف يمكن للناس أن يبنوا لأنفسهم عادات يومية وروتينًا يدعم التوازن النفسي والمهني في حياتهم؟
"هناك أداة مهمة تُعرف بـ "مصفوفة إدارة الذات"، وهي تساعد على بناء عادات ثابتة وتنظيم الوقت بشكل فعّال. تقوم هذه المصفوفة على تقسيم المهام اليومية إلى أربع خانات: مهم وعاجل، مهم وغير عاجل، غير مهم لكنه عاجل، غير مهم وغير عاجل
ما يحدث غالبًا هو أننا نقضي وقتنا في المربع الرابع (غير مهم وغير عاجل)، أو نستنزف أنفسنا في المربع الأول (مهم وعاجل) نتيجة الاستجابة السريعة للمكالمات، الرسائل، أو المهام الطارئة، مما يؤدي إلى الإرهاق وفقدان التوازن. لكن أهم مربع في هذه المصفوفة – والذي نغفل عنه كثيرًا – هو المربع الثاني: "مهم وغير عاجل". هذا المربع يشمل الأمور التي تُحدث فرقًا في حياتنا على المدى الطويل، مثل: الجلوس مع العائلة، التخطيط للمستقبل، حضور الدورات التدريبية، قضاء وقت نوعي مع الأبناء. وللأسف، نحن نؤجل هذه الأمور غالبًا لأنها لا تبدو "ملحّة" في اللحظة، لكنها ضرورية جدًا للتوازن.

أقترح تمرينًا بسيطًا وفعّالًا يُعرف بـ "عجلة الحياة". ارسم دائرة وقسّمها إلى مجالات متعددة مثل: الحياة الزوجية، العائلة، العمل، المال، الصحة، الترفيه، العلاقات الاجتماعية، التطوير الذاتي، ثم قيّم كل مجال من 1 إلى 10 بناءً على مدى رضاك عنه. كُن صادقًا مع نفسك: هل أنت راضٍ عن وضعك المالي؟ عن علاقتك بأطفالك؟ عن صحتك؟ بعد التقييم، ستلاحظ الجوانب التي تحتاج إلى تحسين، وهذا هو مفتاح التوازن. وأخيرًا: لا تكتب "هدفك"، بل اكتب "كيف ستحققه". فمثلًا، لا تكتب فقط: "أريد تحسين علاقتي بعائلتي"، بل حدد: "سأخصص 30 دقيقة يوميًا للجلوس مع العائلة دون انشغال بالهاتف". أو بدل أن تقول: "أريد تحسين وضعي المالي"، قل: "سأضع خطة ادخار وأتابع مصاريفي أسبوعيًا". التوازن لا يأتي من الأماني، بل من تحويل الأهداف إلى خطوات عملية يومية.