(Photo by Steve Christo - Corbis/Corbis via Getty Images)

على مر السنين، تم زرع آلاف الأشجار في جميع أنحاء البلاد – في الشوارع، والساحات، والطرقات – وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من المشهد المدني. ولكن اليوم، في عصر الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، خاصة في المناطق المدنية، تتجاوز أهمية الأشجار بكثير الجانب الجمالي: فالأشجار توفر الظل، وتخفف من شدّة الحرارة، وتحسن جودة الهواء، وتساهم في جودة الحياة في المدينة. في بلادنا، حيث الصيف طويل وجاف وحار، فإن الحاجة إلى بنية تحتية مظللة أمر بالغ الأهمية بشكل خاص. وهنا يطرح سؤال لا يقل أهمية: هل تعرف السلطات كيفية اختيار أنواع الأشجار المناسبة لكل بيئة؟ تلك التي ستوفر ظلاً حقيقياً، وتتطلب صيانة معقولة، وتتكيف جيداً مع الظروف المناخية والموائل المحلية؟ يقدم الدليل الرقمي الجديد لأول مرة إجابة دقيقة على هذه الأسئلة ويتيح اتخاذ قرارات مبنية على المعرفة ستؤثر على ظلنا جميعاً.

الأشجار: فوائد تتجاوز الجمال
تشير العديد من الأبحاث إلى المساهمة الكبيرة التي تقدّمها الأشجار، فيمكنها خفض درجة الحرارة تحت ظلالها بأربع إلى خمس درجات مئوية، وتقليل الحمل الحراري بحوالي 50 بالمائة، وتخفيض تلوث الهواء بحوالي 20 بالمائة، وحتى تقليل الضوضاء المدنيّة بعشرة ديسيبلات. لذلك، ليس من المستغرب أن تعترف المزيد من السلطات المحلية بتحدي التظليل المدني وتعمل على تغيير الواقع. وتصف الخطط الزراعية واسعة النطاق أهمية عملية زراعة مئات الآلاف من الأشجار الجديدة في الأماكن العامة – بأنها ليس فقط من أجل الجمال، بل كجزء لا يتجزأ من التخطيط المدني الذي يشجع على المشي، والتواجد في الهواء الطلق، والترابط المجتمعي. ولكن في كثير من الأحيان، تختار السلطات المحلية والمهنيون المختلفون زراعة أشجار غير مناسبة للمناخ المحلي - أحيانًا بسبب نقص المعرفة وأحيانًا لأسباب جمالية.

تم إطلاق دليل رقمي مؤخرًا يجمع معلومات شاملة ومتاحة حول أنواع الأشجار المناسبة للزراعة في المناطق المدنيّة. يقدم الدليل أداة تخطيط سهلة الاستخدام تتيح البحث وتصنيف الأشجار بناءً على مجموعة واسعة من الخصائص مثل التكيف مع المناخ، ونوع الموطن، وعرض الرصيف، وارتفاع الشجرة، ومبنى القمة، ومعدل النمو، واستهلاك المياه. بالإضافة إلى ذلك، يمكن البحث والمقارنة بين الأشجار بناءً على القوائم الموصى بها من قبل الهيئات العامة، وعرض قاعدة بيانات صور مفتوحة تم إنشاؤها خصيصًا للمشروع وتتضمن صورًا مصنفة للأشجار في إسرائيل حسب النوع وأجزاء الشجرة. تم كتابة الدليل برمز مفتوح المصدر (open source)، ويتم تحديثه بانتظام، وهو متاح للاستخدام العام دون الحاجة إلى تسجيل أو دفع. تم اختيار قوائم الأشجار في المنصة من وثائق رسمية لوزارة الزراعة وبلدية تل أبيب-يافا.

نُشر الدليل لأول مرة في نيسان أبريل الماضي في مجلة "إيكولوجيا وبيئة"، كجزء من مبادرة مشتركة بين قسم المناخ والاستدامة في الصندوق القومي اليهودي (الكرين كييمت) وورشة العمل للمعرفة العامة، الذين قرروا التعاون من أجل هدف مشترك. يقول آساف كرواني، مدير قسم المناخ والاستدامة في الصندوق القومي اليهودي "لقد ولد الدليل من الدعوة لتقديم المقترحات التي نشرناها لمشاريع بيئية موجهة لمجال المناخ". ويضيف أن الهدف كان إنشاء أداة تخطيط جديدة، عبر الإنترنت وسهلة الاستخدام، مخصصة أولاً وقبل كل شيء لصناع القرار والمهنيين، وستساعد في الاختيار الصحيح لأنواع الأشجار لزراعتها في المناطق المدنية. تتيح المنصة البحث الرقمي حسب نوع الشجرة، والمقارنة بين أنواع الأشجار المختلفة، وتقدم أشجارًا متشابهة قد لا تكون معروفة".

جزيرة الحرارة المدنية
إن الحاجة إلى زراعة الأشجار بشكل صحيح، خاصة في البيئات المدنية، أمر حيوي أكثر من أي وقت مضى. وتميل المدن الكبيرة إلى أن تكون أكثر حرارة بشكل ملحوظ من المناطق المحيطة بها – وهي ظاهرة تُعرف باسم "جزيرة الحرارة المدنيّة". الأسباب وراء ذلك عديدة منها الكثافة السكانية، واختناقات المرور، وتلوث الهواء الناتج عن السيارات، والاستخدام المكثف للطاقة – كل هذا يساهم في ارتفاع درجات الحرارة في المناطق المدنيّة. وفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية (يمكن أن تكون درجة الحرارة السنوية المتوسطة في مدينة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة أو أكثر أعلى بمقدار 1.8 إلى 5.4 درجة مئوية مقارنة بالبيئة الريفية المحيطة بها. يزداد هذا الفرق حتى في ساعات المساء: فبينما تبرد المناطق الريفية بسرعة بعد غروب الشمس، تحتفظ المدن بالحرارة لساعات طويلة.

لذلك، ليس من المستغرب أن تبحث المزيد من المدن في العالم عن حلول إبداعية وخطوات عملية للمساعدة في التعامل مع آثار زيادة الحرارة، خاصة خلال فصل الصيف. وهذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص للمدن الإسرائيلية. يوضح كرواني أن هذا المشروع هو جزء من الاستعداد لتغير المناخ وحقيقة أن موجات الحرارة - وخاصة موجات الحرارة الشديدة - التي كانت في السابق استثنائية، أصبحت الآن روتينًا بين شهري أيار وتشرين الأول. أصبح التجول في المدن بدون ظل فوق الرأس مهمة شبه مستحيلة. الأمر الذي يضر بجودة حياتنا، وصحتنا، وقدرتنا البسيطة على البقاء في الهواء الطلق.

الحل القادم من الطبيعة
يعتقد كرواني أن الطريقة الأكثر فعالية وصحة للتعامل مع أزمة المناخ والارتفاع المستمر في درجات الحرارة هي من خلال الحلول القائمة على الطبيعة، وفي مقدمتها زراعة الأشجار والنباتات في جميع أنحاء المدن.

يعتمد المشروع على نهج يسمى "حل بدون ندم (no-regret solution) - وهو إجراء يعتبر مفيدًا ليس فقط في الوقت الحاضر، ولكن أيضًا على المدى الطويل وفي سيناريوهات مستقبلية مختلفة، بما في ذلك تلك التي قد يتراجع فيها تغير المناخ أو لا يتحقق. وبذلك، فإنها تشكل أيضًا استجابة غير مباشرة للمتشككين في تغير المناخ ومنكريه. يؤكد كرواني بأن هذا ليس مجرد حل قائم على الطبيعة - إنه حل بدون ندم، فحتى لو ظل الوضع المناخي كما هو عليه اليوم لمائة عام قادمة، فسوف نستفيد مع ذلك من بيئة أكثر اخضرارًا، وأشجار جميلة، ومساحة عامة ممتعة للتواجد فيها. إنه وضع مربح للطرفين. على الرغم من أن المشروع موجه بشكل أساسي للمهنيين، إلا أنه مفتوح أيضًا للجمهور. ويختتم كرواني بأن كل من يخطط لحديقة - سواء كان فردًا، أو بستانيًا، أو سلطات محلية - فإن الدليل مصمم لخدمة الجميع".

تم إعداد المقال من قبل زافيت - وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة

panet@panet.co.ilاستعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ