logo

د. عطوة ابو فريح من رهط يحذر من ‘هوس الماركات‘: ‘ظاهرة خطيرة تُهدد القيم وتدفع بالشباب نحو القروض والسوق السوداء‘

موقع بانيت وقناة هلا
02-09-2025 17:02:00 اخر تحديث: 04-09-2025 04:01:00

في ظل التغيرات الاجتماعية المتسارعة، تبرز مظاهر جديدة في مجتمعنا العربي، من بينها هوس الماركات التي بدأت تأخذ حيّزًا واسعًا في سلوك الأفراد وتفكيرهم. في مقال جديد، يسلط د. عطوة أبو فريح – الباحث والمحاضر في العلوم الاجتماعية من رهط –

الضوء على هذه الظاهرة وتحولاتها، محللًا أبعادها وتبعاتها. 

ويحذّر د. ابو فريح من خطورة انجراف الأفراد والأسر وراء بريق المظاهر على حساب القيم والاحتياجات الأساسية، مشيرًا إلى أن هذا السلوك لا يقتصر على فئة معينة، بل يطال الشباب والنساء والرجال، ويُهدد بتفكيك النسيج الاجتماعي وجرّ البعض إلى ديون مرهقة أو حتى السوق السوداء. قناة هلا استضافت د. ابو فريح في بث حي ومباشر وتحدثت معه أبرز ما جاء في مقاله، الأسباب والنتائج الكامنة وراء هذا السلوك الاستهلاكي المتصاعد.

"أعتقد أن مجتمعنا يرى هذه الظاهرة وهذا الهوس"

وقال الدكتور أبو فريح في مستهل حديثه لموقع بانيت وقناة هلا حول ظاهرة الماركات وهوس الماركات: "أعتقد أن مجتمعنا يرى هذه الظاهرة وهذا الهوس، فجميعنا نلاحظ في المجتمع العربي هذا السباق، وهذا الهوس، وهذا - إن صح التعبير - الانجرار وراء الماركات، ووراء كل أنواع الماركات المختلفة، والتي نتأثر بها، نحن وشبابنا ومجتمعنا، طبعًا من نساء وشباب وجميع الشرائح في المجتمع. ونرى هذا التزايد الكبير في السنوات الأخيرة يتماشى أيضًا مع كل ما يتعلق بشبكات التواصل، وازديادها وانتشارها في مجتمعنا. فرأيت هذه الظاهرة، وبصراحة، جميعنا يراها في مختلف بلداننا العربية. نراها أيضًا في محلات الماركات، وفي الأعراس، والمناسبات، وفي كل مكان؛ كيف تتسابق نساؤنا وأطفالنا وشبابنا وراء الماركات ولباس الماركات. وطبعًا، هذا لا يقتصر على اللباس فقط، بل يشمل المركبات، والساعات، والهواتف، وإلى آخره. وأرى أن هذه الظاهرة خطيرة، وقد تؤدي إلى إسقاطات على مجتمعنا، وعلى شبابنا خاصةً".

"الفئة الأكثر تأثرًا هي فئة الشباب"

وأشار د. أبو فريح الى "أن الفئة الأكثر تأثرًا هي فئة الشباب. وطبعًا للمعلومة، فأنا متخصص في مجال الشباب، ومجتمعنا العربي يُعد مجتمعًا شابًّا، وداخل هذه الشريحة هناك قسم كبير من الشباب غير المؤطّرين، أي ممن لا يعملون ولا يتعلمون. ونرى هذه الظاهرة بشكل واضح عند هذه الشريحة. نلاحظ شبابًا لا يعملون، ووضعهم الاقتصادي متواضع، ومع ذلك ينجرّون وراء الماركات مثل اللباس، والساعات، والهواتف. والأخطر من ذلك هو اقتناء المركبات، التي تدفع بعض الشباب في بعض الأحيان إلى الانزلاق في هاوية الديون، والقروض، وحتى السوق السوداء. وهنا تكمن الخطورة، خاصة لدى شريحة الشباب، التي تصل أحيانًا إلى مرحلة يُريد فيها الشاب أن يكون مثل شبابٍ آخرين، فيقوم بتقليدهم، فيلجأ إلى السوق السوداء أو إلى قروض بنكية بفوائد عالية، مما يُدخل هذا الشاب وعائلته في ديون كبيرة، وفي عبء ثقيل جدًا. فطبعًا، هذه الظاهرة موجودة لدى الجميع، من أطفال ونساء، ولكننا نراها بشكل واضح وكبير عند شريحة الشباب".

"مظاهر العنف مرتبطة بهذا السباق وهذا الطمع"

وأوضح د. أبو فريح أن "جزءاً من مظاهر العنف في مجتمعنا اليوم، شمالًا وجنوبًا، يعود إلى هذا السباق وهذا الطمع، ومحاولة مجاراة الغير. فنرى على سبيل المثال شابًا لا تسمح له إمكانياته المادية، أو لا يعمل، ولا يملك موارد مالية، لكنه مع ذلك يريد اقتناء مركبة فاخرة، فيلجأ أحيانًا إلى القروض البنكية، أو إلى السوق السوداء. وفي حال أخذ قرضًا معينًا بفوائد خيالية، فقد يصل الأمر إلى أن هذا الشاب، أو قسم من الشباب، لا يستطيعون تسديد هذه القروض أو الدفعات التي التزموا بها، فيدخلون في دائرة العنف. وليس الشاب وحده من يتأثر، بل العائلة بأكملها، وقد وصل الأمر في بعض الحالات إلى جرائم قتل، بسبب أمر بدأ في الأساس بشراء مركبة أو فتح محل تجاري. والمنطق في كل ذلك هو نفس المنطق: التقليد. وحسب رأيي، فإن جزءًا لا يتجزأ من العنف المستشري اليوم في مجتمعنا العربي، له علاقة مباشرة بسباق الماركات أو هوس الماركات".

وأكد د. أبو فريح "أن الضغط الاجتماعي من الناس المحيطين بك قد يؤدي إلى أن يضعك أبناؤك في موضع يجبرك على التماشي مع سباق الماركات، وفي كثير من الأحيان يستسلم الأب والأم لهذا الأمر. أعتقد أن قيمة الشخص، سواء الفرد أو الابن أو أيٍّ منا، لا تكمن فيما يلبس، بل فيما يُعطي لمجتمعه، وما يُقدمه، وما يقوم به".

"قيمة الشخص لا تكمن فيما يلبس، بل فيما يُعطي لمجتمعه، وما يُقدمه، وما يقوم به"

وتابع: "في نظري، هذا جزء من الدعاية أو من تأثير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تقوم بدور سلبي أو تسويقي في نهاية المطاف. فالأطفال، والشباب، والنساء، وجميع فئات المجتمع، ينجرفون وراء هذا الاتجاه، ويرون أن مظهرك ولباسك هو ما يُمثل شخصك، وهذا أمر زائف، غير حقيقي، ولا يمتّ للحقيقة بصلة".

"يجب التركيز على دور الأهل وعلى مسألة القدوة في المجتمع"

واختتم قائلاً: "برأيي، يجب التركيز على دور الأهل وعلى مسألة القدوة في المجتمع. فالشباب اليوم لديهم الكثير من الأشخاص الذين يعتبرونهم قدوة، سواء في المدرسة أو من الشخصيات الاعتبارية في مجتمعنا. ومن وجهة نظري، علينا أن نكون قدوة حسنة لأبنائنا، في وقت يرون فيه أن الماركات والملابس أمر مهم – وهذا لا يمكن إنكاره – ولكن ما نراه اليوم يُعبّر عن حالة مبالغ فيها من التمثيل والانجرار وراء الماركات. لذلك، ينبغي أن يكون الأهل أول من يقدم القدوة لأبنائهم، كما يجب العمل على تعزيز الوعي في المجتمع من خلال المدارس، والأهل، وشبكات التواصل، أو من خلال ورشات توعية تهدف إلى ترشيد الاستهلاك في مجتمعنا العربي".