logo

‘اتّفاق عمّان حول السويداء : الشطرنج والبيادق وضياع مالطا!‘ - بقلم : سعيد نفاع

بقلم : سعيد نفاع
19-09-2025 19:44:02 اخر تحديث: 19-09-2025 19:55:26

الوقفة الأولى... لماذا الخماسيّ!؟ الاتّفاق هو خماسيّ وإن تمّ في لقاء ثلاثيّ كما هو معروف؛ الصفدي وتوم براك والشيباني، ولكن كان بحضور السفير الأميركيّ في تركيّا، وبحضور إسرائيل ممثّلة بتوماس براك، فهل من شكّ في ذلك؟!

سعيد نفاع

ويشار أنّ الاتّفاق مكتوب وموقّع على الأوراق الرسميّة للمملكة الأردنيّة الهاشميّة وتحت شعارها! وقد تابع كلّ مهتمّ انهيال الترحيب وصدور المباركات من كلّ حدب وصوب إقليميّا وعالميّا حتّى ضاقت بها أدراج وزارة الخارجيّة السوريّة! وقطعت جهيزة (ماركو روبيو – وزير خارجيّة أميركا) قول كلّ خاطب! 

الوقفة الثانية... وطرفة بن العبد!

طرفة بن العبد؛ الشاعر الجاهليّ، هو صاحب بيت الشعر المشهور: 

"ستُبدي لك الأيّام ما كنت جاهلًا – ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد".

كلّ من يطّلع على نتائج اللقاء "الخُماسي" في الأردن من يوم 16 أيلول 2025 والاتفاق المفصّل الموقّع المنصوص على الأوراق الرسميّة لوزارة الخارجيّة الأردنيّة وتحت شعار المملكة الهاشميّة، فسيقول لسان حاله: رحم الله طرفة بن العبد وإن كان جاهليّا!

الثانية أ_ إسرائيل باعت رغم الحبّ الحميم والشكر العميم!    

الاتفاق: "إنّ دمشق تعمل مع واشنطن على التوصل لتفاهمات أمنية مع إسرائيل حول جنوب سوريا، في إطار خريطة طريق اعتمدتها سوريا بدعم من الولايات المتحدة والأردن حول محافظة السويداء... وإنّ من بين الخطوات التي تنصّ عليها الخريطة هي أن تعمل الولايات المتحدة، وبالتشاور مع الحكومة السورية، على التوصل لتفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري تعالج الشواغل الأمنية المشروعة لكل من سوريا وإسرائيل، (مع التأكيد على سيادة سوريا وسلامة أراضيها) *. وأيضًا:

تعمل الولايات المتحدة، وبالتشاور مع الحكومة السورية، على التوصل لتفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري تعالج الشواغل الأمنية المشروعة لكل من سوريا وإسرائيل، (مع التأكيد على سيادة سوريا وسلامة أراضيها) *. وسيدعم الأردن هذا الجهد، وبما في ذلك عبر اجتماعات مشتركة. وستنشئ سوريا والأردن والولايات المتحدة آلية عمل لمراقبة تطبيق خارطة الطريق، (بما يحترم السيادة السورية بالكامل.) *

*الأقواس ليست في الأصل.

الثانية ب_ الإقليم المستقل والدولة وحقّ تقرير المصير ووحدة سوريا واستقرارها!

الاتّفاق إضافة: يمثّل استقرار سوريا وأمنها وازدهارها ركيزة أساس للاستقرار الإقليمي. وتؤكّد الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والولايات المتحدة الأمريكية التزامهم العمل معًا وبشراكة حقيقية لمساعدة سوريا في بناء مستقبل يسوده السلام والاستقرار لكل شعبها. وستدعم الدول الثلاث الجهود الرامية لإعادة بناء سوريا على الأسس التي تحفظ أمنها واستقراراها (ووحدتها وسيادتها) * وتلبي تطلعات كل السوريين وتحفظ حقوقهم. وستعمل الدول الثلاث، وبالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين، على تعزيز عملية سياسية شاملة، (بقيادة سورية) *، تعيد بناء المؤسسات السورية وتضمن تمثيل جميع السوريين فيها، وتحتفي بتعددية المجتمع السوري وتضمن المساواة بين جميع السوريين بموجب القانون وعلى أساس المواطنة. 

وجاء أكثر: محافظة السويداء (جزء أصيل من سوريا ولا مستقبل لها خارجها) *، وأبناء المحافظة مواطنون سوريون متساوون بالحقوق والواجبات مع كل السوريين." وأيضًا: "إنهاء التدخل الخارجي في محافظة السويداء والتأكيد على الالتزام بأن (المحافظة جزءاً لا يتجزأ من سوريا) *.

وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وسيادتها وموقع السويداء منها، كلمات تتكرّر في الاتّفاق مرّات، فلا يخلو منها تقريبًا أيّ بند، فماذا بقي للإقليم المستقلّ والدولة وحقّ تقرير المصير لِـ "الشعب الدرزي"؟!،

*مرّة أخرى، الأقواس ليست في الأصل.

الثانية ت_ عودة المهجّرين والمخطوفين وإعادة البناء.

مرّة أخرى ولمن لا يعرف حجم المأساة، فهنالك حسب مجلس الأمن الدولي 192 ألف مهجّر خمسهم تقريبًا من البدو، وعشرات القرى والتجمّعات المحروقة. والاتفاق ينص: "ستدعم الدول الثلاث جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر لاستكمال إطلاق كل المحتجزين والمختطفين وتسريع عملية التبادل. وتعلن الحكومة السورية خططها بشأن إعادة بناء القرى والممتلكات المتضررة. ويقوم الأردن والولايات المتحدة بدعم جهود تحصيل الدعم اللازم."

الثانية ث_ لجنة التحقيق. 

"تدعو الحكومة السورية لجنة التحقيق المستقلة الدولية بشأن الجمهورية العربية السورية لإجراء تحقيق حول الأحداث المؤسفة التي شهدتها محافظة السويداء مؤخرًا، وتلتزم الحكومة بمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في تلك الأحداث، وفق القانون السوري. ستتخذ الحكومة السورية الإجراءات القانونية اللازمة بحق كل من تشير الأدلّة إلى ارتكابه انتهاكات أو كان طرفًا في ارتكاب التجاوزات ضد المدنيين وممتلكاتهم".

ألم يكن هذا مطلبًا من المطالب؟! 

الوقفة الثالثة... وذكّر إن نفعت الذكرى وَـ "تشتشة" النظام السوريّ

قبل شهر وعلى أثر لقاءات عمّان (19 تموز و12 آب) كتبت في وقفات حملت العنوان؛ اللامركزيّة الإداريّة في سوريا هي الحلّ المرئي": "لم تُعطَ النبوءات إلّا لأصحابها، ولكن اعتبرها عزيزي القارئ أُمْنِية بلا-مركزيّة إداريّة أو معها. لا أرى الدروز إلّا جزءًا من هذا الشرق؛ جزءًا عروبيّا قوميّا وثقافيّا إسلاميّا، ولا أرى الجبل إلّا جزءًا من سوريا بحكمٍ لامركزيّ إداريّ مرحليّ من خلال التوافق والتعايش بين أبناء الشعب السوريّ كلّهم؛ من القامشلي شرقًا إلى اللاذقيّة غربًا والسويداء جنوبًا والشآم في القلب." 

كتبت ذلك وأعود وأؤكّده، وليس هذا رومانسيّة زائدة، ولا تغييبًا لتداعيات هول المقاتل التي ارتُكبت في سوريا؛ من الساحل إلى السويداء عبر كنسية مار الياس في دمشق. وكنت أضفت في تثبيت ادّعائي وقراءتي: 

"ما دام المجتمع الدوليّ "يتشتش" النظام الجديد في سوريّا رافعًا إيّاه على كفوف الراحة، فالكُرد والعلويّون والدروز وحتّى السنّة ما هم إلّا بيادق على لوح شطرنج يحرّكه لاعبان اثنان؛ أميركا وإسرائيل وآخر ثانويّ؛ الشرع حماية لِـ "الشاه"، والأمم المتّحدة وتركيّا ودول عربيّة حكّام مراقبون!"، وأيضًا:    

يوم 28 تمّوز 2025 بحث مجلس الأمن الدولي الوضع السوري على خلفيّة مقتلة السويداء مستمعًا إلى إحاطة مبعوثه لسوريا، ويوم 10 آب أصدر الرئيس بيانه (بإجماع ال-15 دولة في المجلس) * ومن بنود دُررِه؛ المساواة بين الجلّاد والضحيّة... وَ الدولة السورية ذات السيادة يجب أن تحتكر في نهاية المطاف الاستخدام المشروع للقوة... إن هيكلاً أمنيا مجزأ مليئا بالميليشيات ومفتقرا إلى قيادة واضحة لا يمكن أن يحافظ على السلام... (وأكد من جديد التزامه القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وأهاب بجميع الدول أن تحترم تلك المبادئ.)*

*مرّة أخرى، الأقواس ليست في الأصل.

الوقفة الرابعة... مع أهل مكّة واللّامركزيّة!

"أهل مكّة أدرى بشعابها" هذا صحيح. ولكنّ التاريخ علّمنا أنّ أهل مكّة وإن كانوا أدرى بشعابها لكنّهم ضيّعوها حتّى حين حطّ بينهم نبيّ؛ الرسول (ص)، وحكايتهم معه هي البيّنة التي ما زالت ترويها الأيّام حين تَظْلمُّ الشعاب، فكم بالحريّ إن لم يحطّ في الشعاب لا رسول ولا يحزنون؟!     

اللامركزية الإدارية هي نظام يتم فيه توزيع السلطة والمسؤولية الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية، مما يمنح هذه الهيئات استقلالية أكبر في اتخاذ القرارات وتنفيذها على المستوى المحلي. هي عملية نقل بعض الصلاحيات والمسؤوليات من الحكومة المركزية إلى مستويات إدارية أدنى، مثل المحافظات، البلديات، أو حتى المناطق. هذا يعني أن هذه المستويات المحلية لديها القدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها فيما يتعلق بالشؤون المحلية، مع بقاء الحكومة المركزية مسؤولة عن القضايا الوطنية. فاللامركزيّة الإداريّة هذا أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الجبل وعلى ضوء؛

1_كلّ ما تقدّم.

2_ الفظائع في السويداء والساحل وباب توما في الشام، والتي أدّت إلى اهتزاز ثقة عميق إن لم يكن انعدام ثقة كليّ، بين قطاعات واسعة من الشعب والحكم المركزي.

3_ التحدّي الذي تمثّله قسد (قوّات سوريا الديموقراطيّة) في الشمال الشرقيّ.

4_ المصلحة الإسرائيليّة. لن تفرّط إسرائيل في مكسبها الاستراتيجي عتيق الأيّام، فقد كانت أجمعت، بعيد انطلاق الأزمة السوريّة في آذار 2011، كلّ الفاعليّات؛ الأمنيّة والسياسيّة والبحثيّة (كنت أشرت إلى ذلك في آب 2011) أجمعت: "إنّ في حال صعود المعارضة إلى سدّة الحكم في سوريّة فإنّها سوف تدفع باتّجاه إبعاد دمشق عن إيران وحزب الله اللبناني، إضافة إلى أنّ رموز هذه الحركة من خلال علاقاتهم مع النخب الأردنيّة والسعوديّة والنخب التركيّة، والأميركيّة والغربيّة الأوروبيّة، سوف يعملون باتّجاه بناء أفضل الروابط مع أميركا وبلدان أوروبا الغربيّة. وإذا أضفنا إلى ذلك الحقيقة القائلة إنّ دمشق البديلة سوف تكون دمشق الضعيفة، فإنّ خيار صعود المعارضة السوريّة هو الأفضل لإسرائيل." 

هذا كافٍ، وزد عليه إن شئت، كي يحتّم حلّا هو وليد اضطراريّ "شرعيّ" للحالة السوريّة؛ أقصاه "لامركزيّة إداريّة". أمّا شكلها وجوهرها فهما للشعب السوريّ، ولكن في الوضع الذي استجدّ فأيضًا للاعبي الشطرنج وشطارتهم، والحكّام؛ دول الخليج والأردن وتركيّا حتّى لو غضّوا الطرف!   

وماذا جاء في الاتّفاق؟!

تشكيل قوة شرطية محلية، تضم كافة المجتمعات في المحافظة، وستكون هذه القوة تحت قيادة شخصية (من المحافظة) تعينها وزارة الداخلية. وستحدد المفاوضات تركيبة هذه القوة وتكوينها. تفعيل كل المؤسسات المدنية الإدارية في المحافظة، وبالتعاون بين المجتمع المحلي في المحافظة ومؤسسات الدولة ذات الصلة... يتمّ بالتنسيق مع المجتمع المحلي في السويداء، (تشكيل مجلس محافظة يمثل كل مكونات المجتمع المحلي في السويداء) * ويناط بالمجلس مهمة التفاعل مع الحكومة السورية وقيادة الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية.

الأقواس ليست في الأصل

يكفي استعراض البنود أعلاه ودون تعليق كي يدرك المرء أين تتّجه الرياح، ولا يُعوزه اجتهاد خارق كي يفهم أين موقع كلّ واحد من لوح الشطرنج. وليلعب بناء على ذلك بعيدًا عن أضغاث الأحلام وأحلام اليقظة، محتكمّا إلى العقل والبراغماتيّة كي تبقيانه على الأقل بيدقًا حافظًا مكانته على اللوح فربّما حينها سيكون في الطريق نحو: "الشاه مات"!

كتب لي أحد الأخوة السوريّين الضالعين في المشهد السوريّ: "في النهاية، السياسة لا تعمل وفق مبدأ قوّة الحقّ، بل وفق مبدأ القوّة، ولا تحرّكها مطالب الضحايا، بل المصالح والحسابات بين الأقوياء، وإلّا لكان الهنود الحمر عادوا لحكم أميركا، ولكانت عادت فلسطين لأهلها." كلام في الصميم يصحّ في سياقنا!

الوقفة الخامسة على الهامش وفي اللّب... والشرخ بين الشيخين؛ طريف والهجري

كلّ من تابع التصريحات الأخيرة للشيخين رأى الفوارق في الأطروحات وهي أبدّا ليست فوارق شكليّة، وإنّما مؤشّر على أنّ شيئًا ما حاصل، نعرف بعضه ولا نعرف البعض الآخر. وترشح الكثير من المعلومات في "الأروقة" الدرزيّة الإسرائيليّة حول الموضوع وفي صلبها تبدّل عناوين التواصل نعرف بعضها ولا نعرف البعض الآخر، ومن هذا الباب سنتركها للأيّام فهي كفيلة بكشف كلّ ما هو مستور، ولنعد لقول طرفة: سيأتيك بالأخبار من لم تزوّد، وكلّنا أمل ألّا يكون ذلك بعد ضياع مالطا!