logo

قراءة في مَطوّلة ‘رهين النكبات‘ للشاعر د. أسامة مصاروة - بقلم: د. محمد حبيب الله

بقلم: د. محمد حبيب الله
13-10-2025 14:48:13 اخر تحديث: 14-10-2025 04:56:17

تقديم للكتاب : أن أول ما يتبادر ألى الذهن من عنوان الكتاب " رهين النكبتين" كلمة "نكبة "هذه الكلمة التي لا زالت تعيش في قلب كل فلسطيني وستبقى ما دام هذا الشعب غير حاصل على تحقيق كيانه وبناء دولته العتيدة:

المربي د. أسامة مصاروة

هي كلمة تعبّر عما حصل لعرب فلسطين عشّية قيام دولة إسرائيل بما في ذلك تهجيرهم وتدمير أكثر من خمسمائة قرية وتفريغهم من مدنهم الكبيرة في حيفا ويافا وعكا واللد والرملة.

لقد تحولت هذه النكبة إلى ذكرى مؤلمة يعيشها هذا الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مخيمات الشتات في سوريا والأردن ولبنان وكثير من بلدان العالم.

لقد تحوّل "يوم الاستقلال" الذي يعيشه اليهود كل سنة الى "يوم النكبة" للشعب الفلسطيني. لقد هُجّر هذا الشعب آنذاك غصباً ونتيجة لمؤامرة حيكت ضدهم من قبل بريطانيا وتحقيق وعد بلفور وبموافقة بعض الدول العربية وتحوّلت إلى حقيقة هذه الحقيقة التي عادت على نفسها في حرب حزيران (1967) لتكون "نكبة ثانية".

لقد حلا للشاعر د. أسامة مصاروة أن يُطلق على ما جرى للفلسطينيين التعبير "رهين النكبات" وذلك بسبب ما أستمر يعاني منه الفلسطينيون حتى هذا اليوم. أن نظرة سريعة الى هذه القصيدة الطويلة التي يحلو لي أن اسميها ملحمة شعرية, و"تراجيديا" تجعلنا نخرج باستنتاج واحد ووحيد بأن ما كتبه الشاعر لا يعكس فقط ما عاناه الشعب الفلسطيني بل يُطال الشعوب العربية الذين لا زالوا يرزحون تحت حكم حكام لا هم لهم ألا المنافع الشخصية بما في ذلك القائمين. على إدارة الشؤون الفلسطينية في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.

وأن ما يطلق عليه "السلطة الفلسطينية" هو عبارة عن رزَ الرماد من العيون لأنهم ليسوا أكثر من "دمى" لا تغني ولا تنفع ولا تصب في توقعات الشعب الفلسطيني منهم.

لقد لجأ شاعرنا الى الرمزية في كثير من رباعياته مصوراً معاناة هذا العشب على مستوى الفرد والجماعة برموز تتصلُ بالأرض والحجر والطيور والحجر وشجرة الزيتون والحصاد والبيدر وينابيع والماء وعيونها في كل قرية وقرية, وهذه الرموز التي لا زالت عالقة في أذهان كل من عاش في فلسطين قبل "النكبة" الكبرى. لقد لجأ الشاعر كثيراً الى الذكريات التي كان يعيشها كل فرد عاصر تلك الفترة وعاش "الزمن الجميل" الذي عاشته الناس آنذاك ولا نزال نذكره حتى اليوم ذكرى ماض حلوة.

كان الناس متحابين وقانعين بالقليل جيرانا وأقارب. تعملون ليل ونهار في زراعة أرضهم وجني محاصيلهم من قمح وزيتون وزيت وكل ما تنتجُه هذا الأرض الأم.

مع الأشارة الى البساطة والمحبة والايثار التي كانت تملؤ عليهم حياتهم وكيف كان البيدر مسرحا للصغار والكبار ويقول:

كم كنت مع جيراننا العب 

ببيدر القمح ولا أتعب

وقبل أن نعود للحارة 

كنا الى العين معاً نذهب

وحين يتحدث عن الزيتونة كرمز للوجود الفلسطيني نراهُ يُغنّي

كانت لنا زيتونة أذكر

 نقطفها ثم معاً نعصر

قد كان زاك الزيت لوزه لنا

يضئ كل البيت لا أكثر

لقد اتّخذ شاعرنا الخلفية المعتصم شَخصّية تاريخية ترمز الى النخوة العربية الإسلامية التي تجلّت بصفات النخوة وإزالة الظلم عن المظلوم قائلا.

 تاريخنا يذكر معتصما خليفة ما كان مستسلما بل كان حراً ..... ولا لم يكن يا عُرب منهزما لقد جاءت هذه التراجيديا لتؤكد الوضع المزرى الذي وصل أليه العرب والذي أكد مقولة رئيس حكومة لبنان الأسبق رياض الصلح في أواسط القرن الماضي "اتفق العرب على الا يتفقوا".

واصفاً بذلك السوس الذي كان ينخع ولا زال في امخاخ وعقول الحكام العرب الذين كانوا كما ذكرت ولا زالوا يركضون وراء منافعهم الشخصّية, وهم لهذا ظلّوا خارجين عن الأجماع الوطني والقوى الذي يجب أن يَعُمّ الواحد والعشرين دولة عربية من أقصى الشرق العربي الى أقصى الغرب المغربي وكأنهم لا تجمعهم لغة واحدة وهويّة واحدة وانتماء قومي واحد.

لقد نجح د. مصاروة في تصوير ما حلّ بالشعب الفلسطيني باستعمال لغة رمزيّة فيها عاشت الطيور هادئة هانئة على غصون أشجار الزيتون الى أن حطّ يوماً طيرٌ خارج غريب عكر أجواء الحياة وسطا على هذه الطيور وهاجمها ونفّرها تاركة اعشاشها وبيوتها. ويقول الشاعر بهذا الصدد

أن الطيور عادة تفرح

تسبح في الماء أو تسّرحُ

لكن هذا الطائر الفتتا

تقيلُ الأطيار او يجرحُ

يمكننا من خلال قراءة هذه المطوّلة "رهين النّكبات" أن نستكشف أمرين: الأول: قدرة الكاتب البارعة وأسلوب الشيّق في سير اغوار النكبات التي كان يَمرُّ بها الشعب الفلسطيني أسلوب تميّز بالرمزية احياناً وبالتصريح أحياناً أخرى, والثاني نجاح الشاعر في عرض الزمان والمكان والأحداث والمصائب التي حَلّت بهذا الشعب ولا زالت تُسَبّبُ له الشعور بالقهر والأحباط كمن "لا حول له ولا قوّة".

لقد عكست هذه الرباعيات صورة "شاعر" لا ينصب معينُه وصورة انسان يحلو لك ان تقرأ ما تجوز به فريحتُهُ أن هذه القصيدة المطوّلة عبارة عن لوحة فنيّة نُقشت عليها إحداث الزمن الجميل الذي عاشه الفلسطينيون في قرانا ومدننا في أوائل القرن الماضي. 

لقد كانت الحياة حينها هانئة سعيدة بالرغم من مقاومة ما كان يُحاك لهم من مؤامرات حتى بدأت النكبات تداهمنا الواحدة تلو الأخرى.

يقول الشاعر على هيبة في تعقيده الملحن على هذا التراجيديا "لقد عبّر الشاعر مصاروة في كثير من رباعياته عن حب الوطن ومقاومة المحتل. هذا الإمر الذي تجلّى قبل نكبة ال (48), وانقلبت بعدها الأمور رأساً على عَقب وصار الوطن مشاعاً يُباع كل يوم في سوق النخاسة ويتناوب شراءه تجار وحكام ورؤساء دول وكأنه ليس وطنا راسخاً حبه في قلوب اهلة ومتَجّذرة أصوله في أعماق النفس والتاريخ, مما شجّع رئيس أمريكيا الجديد على التجرؤ في تصريحاته الأخيرة بشراء قطاع غزة وتهجير ساكنيه.

أهمية ما فاضت به .... الشاعر د. أسامة مصاروة ليست في الفكرة التي كنت وراْ "رهين النكبات" فقط في الأسلوب والمضمون بل تتعدى ذلك الى اللغة والكلمات التي عّبر فيها لغة استطاع أن يصل بواسطتها الى عقل وقلب كل من يقرؤها.

لقد نجح شاعرنا في إيصال ما أراد وبشكل سردي جميل أثار فينا بواسطته مشاعر كل من عاش وعايش الحياة في فلسطين أيام الانتداب البريطاني في النصف الأول من القرن العشرين وحتى بداية القرن الحادي والعشرين.. لقد استطاع شاعرنا جسر المسافة الطويلة التي عشناها وجعلنا نحب مواصلة قراءة ما ورد من أحداث دون توقّف حتى يصل بنا الى نهاية الحكاية التي لا تنتهي. 

الى جانب ذلك فان "رهين النكبات" يًتمّثل توثيقا لحقبة زمنيّة من الحياة القروية البسيطة مع نقد الواقع الراهن الذي يشوبه الظلم والتّشتّت والصراعات. كما عبّرت عن ذلك الكاتبة نزهة أبو غوش في تعقيبها الملحق بالكناية وتضيف: "أن هذه الرباعيات في قسم منها تتّسِمً بأسلوب فلسفي نقدي يغوص في قضايا الوجود والأيمان والشّر".

وأخيراً شدّتني هذه التراجيديا الى متابعة قراءتها حتى النهاية ونصيحتي لكل من يحب القراءة ويحب توسيع مداركه في كيفية العيش الذي لازم الشعب الفلسطيني وما حلً به من نكبات أن يمتلك هذا الكتاب و.... تفاصيل التفاصيل وقراءة هذا التقديم ونقدّ منه الكتاب لن تغني عن قراءته لما فيها من تزويد للقارئ بمشاعر ومعارف تتصل بالعرب بشكل عام وبالشعب الفلسطيني وما مر به من نكبات بشكل خاص