حروب ضد كوكب الأرض | بقلم: رون ليفشتاين - زاڤيت
كيف تعيق الصراعات الجيوسياسية الجهود المبذولة لمكافحة أزمة المناخ؟ بحث جديد يكشف أنها لا تكتفي بإحداث دمار بيئي مباشر، بل تعرقل أيضاً بشكل كبير الجهود للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، الانتقال إلى الطاقة المتجددة، والتعاون البيئي بين الدول.
صورة من موقع سقوط صاروخ ايراني - الصورة للتوضيح فقط | تصوير سلطة الاطفاء والانقاذ
موجات حر، فيضانات وحرائق ضخمة لم تعد تظهر فقط في التقارير العلمية، بل أصبحت ظواهر تظهر وتتكرر كثيراً في العناوين الإخبارية. أزمة المناخ تزداد تفاقماً، والعديد من الدول وضعت لنفسها أهدافًا لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. لكن يتضح أن هناك عاملاً لم يُؤخذ بالحسبان بما فيه الكفاية، وهو يدفع بالاتجاه المعاكس، إنها الحروب. بينما تُحذّر معظم الدراسات من أن تغيّر المناخ قد يشعل صراعات، فإن بحثًا جديدًا نُشر في مجلة npj Climate Action يعرض صورة معاكسة مثيرة للقلق – الصراعات الجيوسياسية هي بحد ذاتها عقبة هائلة أمام التصدي لهذه لأزمة.
عملية انتحارية مناخية جماعية
يعرض البحث سلسلة من الأمثلة من حروب معاصرة توضّح ذلك بشكل جليّ. طائرة حربية من طراز B-2 تطلق طناً من ثاني أكسيد الكربون لكل 45 كم من الطيران. المدمّرة الأمريكية تطلق 9 أطنان من ثاني أكسيد الكربون في كل ساعة، للمقارنة، لكي تصدر سيارة خاصة تعمل بالبنزين نفس كمية الانبعاثات التي تصدرها المدمرة، يجب أن تقطع حوالي 36,000 كيلومتر. خلال الـ 18 شهراً الأولى من الحرب في أوكرانيا، تسببت العمليات القتالية بانبعاث نحو 77 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون – أكثر من إجمالي الانبعاثات السنوية لدول مثل النمسا، البرتغال أو المجر. "يمكننا وصف ذلك كعملية انتحارية مناخية جماعية"، يقول البروفيسور ليئور هرمان من الجامعة العبرية، المختص في العلاقة بين الاقتصاد، الطاقة والجيوسياسة.
يوضح هرمان بأننا نشهد في السنوات الأخيرة حربين طويلتين تنتجان انبعاثات غازات دفيئة على نطاق واسع وبوتيرة سريعة. ويضيف بأن تأثيرهما على الغلاف الجوي كبير جداً، لأننا نعلم أن الإطلاق الحاد والسريع للغازات الدفيئة، وخاصة غاز الميثان (الذي هو أكثر ضرراً بعشرات المرات من ثاني أكسيد الكربون)، لا يمنح الغلاف الجوي ولا الأنظمة البيولوجية وقتًا كافيًا للاستجابة. مثل هذا الأمر يُسرّع من الاحتباس الحراري ويزيد من احتمال حدوث ظواهر مناخية متطرفة". لذلك، بحسب هرمان، لا شك أن الحروب يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار في توقعات المناخ وصنع القرار.
الإضرار بالبنية التحتية الخضراء
بالإضافة إلى ذلك، يصف البحث كيف أن الحروب تُلحق أضرارًا بالبُنى التحتية البيئية القائمة. في أوكرانيا، تم تعطيل أو تدمير أنظمة الطاقة الشمسية، محطات تنقية المياه، وبُنى النقل العام، واستُبدلت بحلول مؤقتة ملوّثة. أدى تفجير أنبوب الغاز "نورد ستريم" الى إطلاق حوالي 300 ألف طن من غاز الميثان القوي مباشرة إلى الغلاف الجوي. البحث الذي أجراه هرمان مع البروفيسور إيتاي فيشهندلر وليعوز دافيد يقدم معطى مثيرًا للاهتمام، أنه في عام 2019، تم إنتاج 25% من الكهرباء في قطاع غزة من مصادر طاقة متجددة. السبب الرئيسي لذلك كان النقص في وصول الكهرباء والوقود إلى غزة، مما دفع السكان لتركيب ألواح شمسية مستقلة خارج شبكة الكهرباء. "تطور الطاقة الشمسية في غزة هو أمر غير مسبوق"، يقول هرمان. "أُقدّر أنه قبل الحرب، كانت الأنظمة الشمسية تُنتج قرابة 50% من الكهرباء. ومن الطبيعي أن أحد آثار الحرب هو تدمير هذه البنى التحتية."
هناك أيضًا تبعات متعلقة بمرحلة إعادة الإعمار. حيث إن الناس يميلون للتفكير في استخدام الوقود الأحفوري في سياق توليد الكهرباء، أو في تلوث الهواء الناتج عن عوادم السيارات. لكننا ننسى أن إنتاج البلاستيك، والخرسانة، والإسفلت وغيرها يعتمد أيضاً على مصادر وقود أحفوري، لذلك فإن إعادة إعمار قطاع غزة، ومناطق غلاف غزة والشمال ستتطلب استخدامًا واسعًا جدًا لمنتجات نفطية ملوثة، يوضح هرمان.
تحويل الميزانيات وقطع العلاقات
الحروب قد تؤدي أيضاً إلى تحويل الميزانيات من المبادرات البيئية إلى الاحتياجات العسكرية. بحسب البحث البحث الذي نشر في npj Climate Action، فإن بريطانيا، على سبيل المثال، حوّلت أموالاً من ميزانية تمويل المناخ لتمويل حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة مليار جنيه إسترليني. ...وكان من الممكن أن تُستخدم هذه الأموال لتمويل مشروع طاقة شمسية بطاقة 1.4 غيغاواط، ما كان سيوفر انبعاثات تساوي مجمل قطاع الطاقة البريطاني في عام واحد. وعلى الصعيد العالمي، تجاوزت النفقات العسكرية في عام 2023 حاجز 2.4 تريليون دولار – وهو ما يعادل نصف الكلفة المطلوبة للوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
حتى في وسائل الإعلام يمكن رؤية تأثير الحروب والنزاعات. في روسيا، على سبيل المثال، بين نوفمبر 2021 ومارس 2022، انخفض عدد الإشارات إلى تغيّر المناخ في الإعلام من 1400 إلى أقل من 300 إشارة يوميًا في المتوسط. جدول الأعمال العام يتغير – ومعه ينخفض الوعي لهذه القضية.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر العقوبات، والقيود التجارية، وقطع العلاقات بين الدول على الجهود المبذولة للحد من أزمة المناخ. يشير هرمان إلى أنه كجزء من عملية الانتقال إلى الطاقة المتجددة التي تحاول إسرائيل قيادتها، وقّعت في نهاية عام 2021 مذكرة تفاهم مع الأردن والإمارات العربية المتحدة، وبالمقابل، تقوم إسرائيل بنقل مياه محلاة إلى الأردن. كان من المفترض أن يساعد هذا الاتفاق إسرائيل على تحقيق هدفها بإنتاج 30% من الطاقة من مصادر متجددة خلال خمس سنوات. لكن حتى الآن تم تجميد الاتفاق من قبل الأطراف المعنية بسبب الوضع الأمني. بحسب هرمان، تشير التقديرات إلى أنه في عام 2024 وصلت إسرائيل إلى نحو 14% فقط من إنتاجها من الطاقة المتجددة – وهو نسبة بعيدة عن الهدف المرجو.
أمن الطاقة
النزاعات تغيّر أيضًا السياسات المتعلقة بأمن الطاقة. يشير البحث إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع العديد من الدول إلى تغيير تفكيرها الاستراتيجي وإعادة تطوير احتياطاتها من الغاز والفحم، حتى في إسرائيل، تم الشعور بهذا التغيير، بحسب هرمان. فقد تم تعليق الالتزام الرسمي بوقف استخدام الفحم في إنتاج الكهرباء حتى نهاية عام 2025، ونتيجة للوضع الأمني، أعادت الدولة تشغيل محطات الفحم من أجل صناعات السلاح والمواصلات – رغم الحاجة لتنويع مصادر إنتاج الكهرباء لضمان أمن الطاقة.
للمتفائلين بيننا، لا ينسى هرمان الإشارة إلى بعض الجوانب الإيجابية في هذه القصة. تدمير البنية التحتية، تعطيل المصانع أو حتى وقف الرحلات الجوية نتيجة الحرب، قد يساهم في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة على المدى القصير، مثلاً كما حدث في فترة الكورونا. بالإضافة إلى ذلك، هناك دول دفعتها الحرب في أوكرانيا إلى الاستثمار بشكل أكبر في مصادر الطاقة المتجددة، لأنها كانت تعتمد على تزويدها بالوقود من روسيا.
ومع ذلك، يختتم هرمان أنه على المدى الطويل نلاحظ، كنتيجة للحروب، اتجاهًا عامًا لدى الدول لزيادة احتياطياتها من الوقود الاستراتيجي للاستخدام الأمني. الحروب تشجّع دولًا أخرى على الاستعداد للتهديدات، ونتيجة لذلك يحدث سباق تسلح واسع النطاق يشجع الاستثمار في الصناعات الملوثة.
أُعدّت هذه المقالة بواسطة "زاڤيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: bassam@panet.co.il
من هنا وهناك
-
حروب ضد كوكب الأرض | بقلم: رون ليفشتاين - زاڤيت
-
مقال بعنوان ‘ضد المرأة‘ - بقلم : وفاء نصر شهاب الدين
-
‘بين حربين: هل تفتح الحرب الإسرائيلية الإيرانية نافذة للحل الفلسطيني؟‘ - بقلم: علاء كنعان
-
مقال: الناصرة تختنق… والناس تنتظر موقفًا وتحركًا مسؤولًا من البلدية - بقلم : منير قبطي
-
‘أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه‘ - بقلم: رانية مرجية
-
مقال بعنوان : ‘حتى نلتقي – حرب ‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
المحامي زكي كمال يكتب: بحثًا عن النصر المطلق في طهران
-
‘تاقت إليك عجافٌ أنت يوسفها‘ - بقلم: الشيخ محمود وتد
-
هل تتعلم الأحزاب العربية من لعنة الانقسام؟ بقلم: رانية مرجية
-
‘ حتى نلتقي – تخطيط قلب ‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
أرسل خبرا