بلدان
فئات

09.09.2025

°
00:01
رئيس الوزراء القطري: لا شيء سيثني قطر عن دورها في الوساطة
00:00
وزير الخارجية القطري: دولة قطر تعرضت اليوم لهجوم إسرائيلي غادر يشكل إرهاب دولة
23:39
ترامب يعلن عن الإفراج عن باحثة اسرائيلية بعد اختطافها في العراق
23:33
ترامب: الهجوم على قطر قرار اتخذه نتنياهو وليس أنا
23:16
البابا ليو بعد هجوم إسرائيلي على قطر: الوضع برمته خطير للغاية
23:09
وزير الخارجية القطري: دولة قطر تعرضت اليوم لهجوم إسرائيلي غادر يشكل إرهاب دولة
22:23
أمير قطر لترامب: دولة قطر ستتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بحماية أمنها
21:57
مصابان باطلاق نار على سيارة في طمرة
21:42
اندلاع حريق كبير في محل لبيع الاثاث في نحف
21:38
الخارجية القطرية: ما يتم تداوله من تصريحات بشأن إبلاغ دولة قطر بالهجوم الإسرائيلي مسبقا عار عن الصحة
21:21
البيت الأبيض: ترامب تحدث بعد الهجوم مع نتنياهو وأمير قطر وأكد للأخير ‘مثل هذا الأمر لن يتكرر على أراضيهم‘
21:16
‘بسام جابر يحاور‘ معاذ موسى وعلاء موسى من يافة الناصرة
20:57
حماس: نؤكد فشل العدو في اغتيال الوفد المفاوض في الدوحة
19:45
قيادي في حماس: مقتل نجل خليل الحية ومدير مكتبه في القصف الاسرائيلي على الدوحة
19:38
عمليات انعاش لرجل تعرض للغرق قرب شاطئ نتسانيم
19:36
تقرير: إسرائيل أبلغت أمريكا بخطة الهجوم في الدوحة - واشنطن أخطرت قطر
19:08
بث مباشر | ‘هذا اليوم‘ : الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لسكان غزة ويطلب اخلاء كل أحياء المدينة، هرتسوغ يزور بريطانيا وسط احتجاجات
18:46
أمسية احتفالية مميزة بقامات ثقافية في مجد الكروم
18:35
الإمارات، الأردن، إيران، البحرين، الكويت.. ادانات دولية للقصف الاسرائيلي على الدوحة
17:49
غوتيريش: أدين انتهاك سيادة دولة قطر
أسعار العملات
دينار اردني 4.7
جنيه مصري 0.07
ج. استرليني 4.53
فرنك سويسري 4.2
كيتر سويدي 0.36
يورو 3.92
ليرة تركية 0.11
ريال سعودي 0.98
كيتر نرويجي 0.33
كيتر دنماركي 0.53
دولار كندي 2.42
10 ليرات لبنانية 0
100 ين ياباني 2.28
دولار امريكي 3.34
درهم اماراتي / شيكل 1
ملاحظة: سعر العملة بالشيقل -
اخر تحديث 2025-09-10
اسعار العملات - البنك التجاري الفلسطيني
دولار أمريكي / شيكل 3.35
دينار أردني / شيكل 4.74
دولار أمريكي / دينار أردني 0.71
يورو / شيكل 3.94
دولار أمريكي / يورو 1.1
جنيه إسترليني / دولار أمريكي 1.31
فرنك سويسري / شيكل 4.23
دولار أمريكي / فرنك سويسري 0.8
اخر تحديث 2025-09-09
زوايا الموقع
أبراج
أخبار محلية
بانيت توعية
اقتصاد
سيارات
تكنولوجيا
قناة هلا
فن
كوكتيل
شوبينج
وفيات
مفقودات
كوكتيل
مقالات
حالة الطقس

‘ علاقات الإسلام واليهوديّة: إثراء متبادل وسلام أفسدها تسييس الدين‘ - بقلم : المحامي زكي كمال

بقلم: المحامي زكي كمال
22-08-2025 10:44:01 اخر تحديث: 23-08-2025 08:01:00

لم نكن بحاجة إلى الحرب الأخيرة في غزة والحرب مع "حزب الله" وإيران والتصعيد مع الحوثيّين، كي نقف وقفة تاريخيّة واعية ومُدركة وموضوعيّة وربما مراجعة للتاريخ، في محاولة لوضع الإصبع على موضع الخلل،

المحامي زكي كمال

والإشارة إلى "مفترق الطرق" الذي أصابنا بعده الخطر الداهم والذي طالما حذرت منه، والوقوف على أسباب انزلاقنا إلى هذا الخطر، وهو سيطرة الخطاب الدينيّ والصبغة الدينيّة على الصراع الشرق أوسطيّ عامّة والإسرائيليّ الفلسطينيّ خاصّة، أو بكلمات أخرى واضحة ومختصرة تحويل الصراع إلى صراع بين المسلمين واليهود، أو بين الديانتين الإسلاميّة واليهوديّة. وهو سواء شئنا أم أبينا صراع بدأ إقليميًّا حول أرض يمكن حلّه، أو ربما الأصحّ أنه كان من الممكن حلّه فقط عبر تسوية عقلانيّة وبراغماتيّة تخدم مصالح الإسرائيليّين والفلسطينيّين وتضمن إقامة دولتين: إسرائيل ودولة فلسطين إلى جانبها، وفق مبدأ حلّ الدولتين، وهي تسوية سياسيّة إقليميّة وجغرافيّة، كانت ممكنة رغم أن العامل الدينيّ كان ماثلًا في هذا الصراع على الأقلّ منذ العام 1967، لكنّه اتّسع نطاقًا وتأثيرًا منذئذٍ لدى الإسرائيليّين خاصّة بعد احتلال شرقي القدس والوصول إلى حائط المبكى، وتنامي المشاعر الدينيّة الخلاصيّة الاستيطانيّة في عهد حكومات حزب "العمل" الذي شجّع الاستيطان في الخليل وسبسطيّة وجبل نابلس وغيرها. وتعاظمت بعد تغيّر الخريطة السياسيّة واستلام حزب الليكود السلطة منذ العام 1977 ومعه الأحزاب الدينيّة المقرّبة من المستوطنين، وتراجع القوى العلمانيّة، أو تلك المحسوبة على اليسار السياسيّ والعلمانيّ الذي أسّس دولة إسرائيل، وكذلك لدى الفلسطينيّين خاصّة بعد حرب الأيام الستة، التي اعتبر البعض نتائجها ضربة قويّة للتوجّهات العلمانيّة والقوميّة في العالم العربيّ ومنها الجمهوريّة العربيّة المتحدة، بين جمهوريتي مصر وسوريا، والتي بدأت في22 فبراير شباط 1958 بتوقيع ميثاق الجمهوريّة المتحدة من قبل رئيسي سوريا شكري القوتلي ومصر جمال عبد الناصر.

وانتهت بانقلاب عسكريّ في دمشق يوم 28 سبتمبر أيلول 1961، وبعدها اتفاقيّات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل والتي منحت الفلسطينييّن حكمًا ذاتيًّا، ورفضها الفلسطينيّون والدول العربيّة وبعدها بسنوات فشل اتفاقيّات أوسلو وانهيارها بفعل رفض اليمين الإسرائيليّ واغتيال إسحق رابين، وليس أقلّ من ذلك العمليّات العسكريّة التي نفّذتها حركتا "حماس" والجهاد الإسلاميّ داخل إسرائيل، وصعود حركات إسلاميّة التوجّه على غرار الحركتين سابقتي الذكر، ومن ثمّ استيلاء "حماس" على قطاع غزة عام 2007، ما يرسم صورة عزّزتها هجمات السابع من أكتوبر 2023 وعكستها التسميات الفلسطينيّة "طوفان الأقصى" والإسرائيليّة "السيوف الحديديّة" ومن ثم "عربات جدعون"، تكاد تفرغ هذا الصراع من مقوّماته وأسبابه ودوافعه السياسيّة، بل إنها تحوّله إلى حرب دينيّة يمكن القول إنها مفتوحة تحرق الأخضر واليابس ولا تصبّ أولًا وأخيرًا في مصلحة الفلسطينيّين والإسرائيليّين.

محاولة لفهم الحاضر ومحاولة التنبّؤ بالمستقبل، وتجنّب تكرار الأخطاء
هذه الوقفة التاريخيّة التي أتحدث عنها، ليست من باب الوقوف الجافّ عند التاريخ وتكرار أو ربما اجترار أحداثه، بل مراجعة حقيقيّة لأمرين أولهما حقيقة العلاقة بين اليهوديّة والإسلام منذ فجر التاريخ ونشوء الإسلام عام 632 ميلادي، وانتشاره وصولًا إلى احتلال الأندلس وبعدها عهد الدولة العثمانيّة. وهي علاقة كانت مدار بحث لعشرات إن لم يكن مئات الباحثين المسلمين واليهود والأوروبيّين في العالم، وثانيها التحوّل الذي طرأ على هذه العلاقة منذ العام 1948 وربما قبله تزامنًا مع الصراع السياسّي بين العرب واليهود هنا وإقامة دولة إسرائيل وعدم قيام دولة عربيّة بسبب رفض الدول العربيّة والفلسطينيّين بجريرتها لقرار التقسيم. وذلك في محاولة لفهم الحاضر ومحاولة التنبّؤ بالمستقبل، وتجنّب تكرار الأخطاء، عملًا بقول المؤرّخ اليونانيّ بوليبيوس إنّ التاريخ مُفيد جدًّا في تعليم الفلسفة من خلال ذكر الأمثلة، والعبر التي يعرضها، وأنّ الإنسان يتعلّم من أخطائه السابقة، وقول ابن خلدون إنّ التاريخ يوقفنا على ظروف الأمم السابقة، وأخلاقهم، وسِير الأنبياء، والملوك، وطبيعة سياستهم، كي يتمّ الاقتداء بالجيّد الذي فعلوه، والابتعاد عن أخطائهم التي ارتكبوها. وهي حاجة ضرورية في معرض سياقنا هذا انطلاقًا من أن العلاقة بين الإسلام واليهوديّة كانت منذ الأزل علاقة معقّدة ومتشابكة عبر التاريخ، ناهيك عن تأثّر كلّ منهما بالآخر في جوانب مختلفة من الحياة منذ ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي وبعدها العلاقة بين المسلمين واليهود في المجتمعات التي عاشوا فيها معًا، خاصّة في ظلّ الحضارة الإسلاميّة، والتأثيرات المتبادلة منها تأثر الإسلام باليهوديّة في بعض الجوانب، مثل بعض القصص والروايات التي ورد ذكرها في القرآن والتي وردت أيضًا في التوراة والإنجيل، تأثر الفكر الديني اليهودي بالثقافة الإسلامية، خاصة في فترة العصور الوسطى، والتي تسمى العصر الذهبيّ حيث استخدم اليهود اللغة العربيّة في كتاباتهم، وتأثّروا بالفكر الإسلاميّ وتبنّوا المناهج الفلسفيّة الإسلاميّة، وخاصّة علماء ومفكرون يهود في الأندلس مثل موسى بن ميمون (رمبام) وسعاديا جاؤون.

وغيرهما، بمعنى الوقوف على طبيعة العلاقة الجيّدة والتعاونيّة بين المسلمين واليهود والتي انعكست عبر التعايش السلمي والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، خاصة في الأندلس وبغداد ومصر والدولة العثمانيّة، وكيف ومتى تحوّلت هذه العلاقة إلى ما هي عليه اليوم من صدام وتوتّر، خاصّة تزامنًا مع النزاع حول إقامة دولة إسرائيل وبعدها، والإشارة إلى العوامل السياسيّة والاجتماعيّة التي أثّرت على العلاقة بينهما، وفوق كلّ ذلك، وهذا ربما هو الأهمّ، التحذير من مغبّة ممارسات منطلقاتها سياسيّة وفئويّة وضيّقة، وهدفها إضفاء الشرعيّة على فعل حاليّ بذرائع تاريخيّة ما أنزل الله بها من سلطان. وهي حالة يمكن ملاحظتها منذ بداية الحرب في غزة وقبلها من الطرفين الإسرائيليّ والفلسطينيّ على حدّ سواء، وتحديدًا أصحاب الميول الدينيّة المتزمّتة منهم وبعض الذين يفضلون تحريف التاريخ خدمة لمواقفهم اليوم، يحاولون عبر "قراءة أو صياغة جديدة ومبتكرة للتاريخ" إلحاق الحاضر بالماضي، أو صبغ الماضي الجيّد والمتسامح بصبغة الحاضر الدمويّ والخلافيّ والصراع الدائر، أي تطبيق المظاهر الحديثة والسلبيّة للنزاع والسوء، أو التدهور في العلاقات بين اليهود والعرب عامّة وبين اليهود والمسلمين خاصّة، على العلاقات في العصور السابقة. وصولًا ربما إلى محاولة المساواة بين المعاملة السيّئة التي تعرّض إليها اليهود في أوروبا المسيحيّة وبين معاملة اليهود تحت الحكم الإسلاميّ، وذلك لخدمة الأغراض السياسيّة والإيديولوجيّة، إذ ينكر باحثون وسياسيون وإعلاميون فترات التعايش المتسامح بين اليهود والمسلمين على مدار مئات السنين، ويعودون إلى القرن السابع الميلادي والعلاقة بين الإسلام الناشئ الجديد واليهود في شبه الجزيرة العربيّة الذين رفضوا لفترة ما الاعتراف بنبوة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) ورفضوا، كما بعض الباحثين اليهود اليوم، فكرة نزول القرآن على النبي الأميّ، والحروب بين اليهود والمسلمين مع الإشارة خاصّة، ولأسباب سياسيّة وفي محاولة لتأكيد روايتهم من أن الحاضر، أي الحرب الدينيّة بين الإسلام واليهوديّة، كان أيضًا قائمًا حينها، إلى قضية خيبر في أيار عام 628 ميلادية وإخراج اليهود منها (بعد صلح الحديبية) وربما هي الأساس للشعار الذي يردّده المتطرّفون في الحركات الإسلاميّة حول خيبر وجيش محمد الذي سيعود، مشيرين إلى أن اليهوديّة لم تكن يومًا مسالمةً، وأن نواياها تجاه المسلمين والإسلام لم تكن حسنة حقًّا، بل إنها كانت وليدة كونهم أقليّة في دول حكمها المسلمون.

وهو الحال في إسرائيل حيث يحاول مؤرّخون اليوم "صبغ" الماضي الجديّ والمتسامح والمتعاون من العلاقات بين اليهوديّة والإسلام بصبغة اليوم والصراع الدينيّ والذي كان سياسيًّا في أساسه، والتركيز على العقود الأخيرة وخاّصة نشوء الحركات الإسلاميّة المتزمّتة ومنها طالبان وداعش والقاعدة والإخوان المسلمون وابنتهم "حماس" وكذلك "حزب الله" الشيعيّة، للتدليل على أن الإسلام لم يكن أبدًا دينًا يقبل الغير ومنهم اليهود، بل إنه دين يؤمن بالعنف، وصولًا إلى قيام بعضهم برفض اعتبار حياة اليهود في الأندلس والنهضة العلميّة والثقافيّة والدينيّة لليهود هناك، بأنها عصر ذهبيّ، بل وصفه بأنه عصر تمّت فيه ممارسة الاضطهاد الإسلاميّ لليهود، تمامًا كمعاناة اليهود في أوروبا، متناسين أنَّ العلاقة بين اليهود والمسلمين في الدولة العثمانيّة أخذت بالتدهور، خاصّة بعد ظهور الحركات القوميّة اليهوديّة والحركة الصهيونيّة بالذات في أواخر القرن التاسع عشر، ومحاولة التأثير على السلطة العثمانيّة لفتح باب الهجرة إلى فلسطين، إذ يؤكّد باحثون أنَّ المشكلة الرئيسيّة التي أثّرت على علاقة المسلمين باليهود، بدأت في العصر الحديث مع ظهور الوجود الغربيّ في فلسطين في أواخر الدولة العثمانيّة، وبالأخصّ الانتداب البريطانيّ، وفتح أبواب الهجرة اليهوديّة ، ويكفي لتأكيد حسن العلاقة بين اليهود والإسلام ما قاله برنارد لويس من أن اليهود على مدى التاريخ الإسلاميّ كانوا جزءًا من الأمّة الإسلاميّة، واعتنقوا أفكارها وعاداتها وتحدّثوا اللغة العربيّة خاصّة في الدول العربيّة، وأن اليهود وقفوا إلى جانب المسلمين في الحروب الصليبيّة، وفي الحروب مع المغول والتتار، كما تعرّض اليهود والعرب والمسلمون للاضطهاد والتنصير الإجباريّ على يد الكاثوليك الإسبان بعد سقوط الأندلس عام 1492 وأظهر اليهود ولاء للدولة العثمانيّة في حروبها مع الروس والبلقان. وهو بالضبط ما تؤكّده المصادر العربيّة حول مكانة اليهود في ظلّ الحكم الإسلاميّ، والكتابات اليهوديّة المحفوظة في الأرشيفات اليهوديّة، مثل الجنيزا القاهريّة، والتي تعبّر عن أوضاع اليهود تحت الحكم الإسلاميّ في جميع مجالات الحياة، أو كما يقول البروفيسور عومِر ميخايلس من جامعة تل أبيب، إن اليهود أصبحوا جزءًا من الفضاء الإسلاميّ، وأصبحت العربيّة لغتهم، أحاطت بهم الثقافة العربيّة، وعلاوة على ذلك، كان هناك العديد من اليهود الذين انتقلوا ووجدوا أنفسهم في نقطة توسّط بين العالمين، أو أصبحوا مسلمين حقيقيّين. بمعنى آخر، نشأت حركة بين اليهوديّة والإسلام، أحيانًا من داخل العائلة نفسها، وبالتأكيد داخل المجتمعات نفسها، في العديد من المدن العربيّة التي عاشوا فيها ومنها دمشق، والفسطاط، والقيروان في تونس والقدس، لم يعش اليهود في غيتوهات، حتى في الحالات التي وُجدت فيها أحياء يهوديّة خاصّة، كانت منازلهم اليهودية تُجاور منازل المسلمين، وكانوا يعيشون في بيئة مشتركة، وعملوا في التجارة بالمشاركة مع المسلمين.

"قل كلمتك وامْشِ"
هذا ما أقصده بدعوتي إلى دراسة التاريخ ومراجعته، وليس فقط من باب معرفة المعلومات، بل وصولًا إلى المصداقيّة العلميّة والأكاديميّة والشخصيّة، وقول كلمة الحقّ عملًا بقول الإعلاميّ والصحفي كامل مروة في جريدة "الحياة" اللبنانيّة: "قل كلمتك وامْشِ"، أي قول كلمة الحقّ التاريخيّة والعلميّة، والتي تؤكّد حقيقة العلاقات بين اليهوديّة والإسلام والتي كانت في غالبيتها العظمى، وحتى بداية القرن العشرين علاقات عيش مشترك وتعاون وازدهار، لكنّها تحوّلت بفعل فاعل إلى ما هي عليه اليوم خاصّة من حيث الرواية التي تخلط بين السياسة والدين وتجيِّر التاريخ عبر استنتاجات خاطئة مقصودة من الطرفين، خدمة لرواية تتساوق وأهداف أصحابها من السياسيين الذين يستعينون بمؤرّخين وباحثين يحاولون كتابة ـ أو استكتاب التاريخ من جديد، تعتبر النزاع السياسيّ في أساسه بين إسرائيل والعرب والفلسطينيّين، نزاعًا دينيًّا لن ينتهي توازيه حرب أزليّة، كما قال المرشّح لرئاسة الشاباك الاسرائيليّ الجنرال دافيد زيني من أن الحرب في غزة ومع الفلسطينيّين حرب أزلية ودائمة، لا حلّ لها إلا بهزيمة خالصة للطرف الآخر أو زواله. وهو ما تعكسه خطة بتسلئيل سموتريتش من العام 2017 حول الحلّ النهائيّ وإقامة دولة يهوديّة على العرب والفلسطينيّين فيها قبول السيادة اليهوديّة دون حقوق وبانصياع وخنوع تامّ، وإلا مصيرهم القتل أو الطرد، وهو ما جاء في ميثاق "حماس" الأساسيّ والمعدَّل الذي يعتبر فلسطين كلها إرثًا ووقفًا إسلاميًّا لا مكان لليهود فيه إلا من قبل الشريعة الإسلاميّة وإلا فمصيره القتل أو التهجير. ولكن المأساة تكمن في انعدام من يقول كلمة الحق، وليس فقط بين السياسيّين، وهذا ليس بغريب أو مستغرب، بل بين المؤرّخين والباحثين من الطرفين، وبعضهم موضوعيّ ومعتدل، وبعضهم وسطيّ متّزن لكنّ غالبيّتهم، وللأسف الشديد، ينحازون أو يميلون خوفًا من "سوط السلطان" إلى الاتّجاه المتطرّف وإلى التيّار المتشدّد، الذي من الواضح أن أفراده، من الباحثين والمؤرّخين الإسرائيليّين تأثّروا بالأفكار والإيديولوجيا للحركة الصهيونيّة، خاصّة منذ أواخر القرن التاسع عشر، وربما بشكل أوسع منذ هجمات السابع من أكتوبر 2023، والتي جرّت إلى استخدام أوصاف دينيّة للحرب من جهة وأوصاف تعتبر حركة "حماس" نازيّة جديدة في نوع من المساواة مع الكارثة النازيّة، وإظهار الإسلام، وليس الحركات الإسلاميّة المدفوعة بأجندات سياسيّة تعمد إلى تسييس الدين، على أنه لا يرقى إلى درجة الفكر والثقافة، السياسة والإدارة والنظام، ومن الطرف المقابل وصف، ربما تأثّر أصحابه بالاسم الحمساويّ "طوفان الأقصى"، للحرب بأنها حرب إبادة ضدّ المسلمين والمقدّسات الإسلاميّة، وتأكيد على أنه لا يؤتمن لليهود جانب، وأنهم يريدون تحقيق نبوءات التوراة بإقامة دولة يهوديّة على كامل منطقة الهلال الخصيب، وإقامة الهيكل الثالث في القدس، وبالتالي فهي حرب دينيّة خالصة لن تتوقّف إلا بالنصر المطلق .

ضرورة الفصل بين السياسة والدين
دراسة التاريخ التي أدعو إليها الطرفين على حدّ سواء، ملخّصها ضرورة الفصل بين السياسة والدين وعدم تجيير التاريخ والوقائع التاريخيّة لخدمة أهداف سياسيّة، أو ربما تبرير أعمال لا ترقى إلى درجة الإنسانيّة، بل تمسّ بها وتزهق الأرواح كما حدث في السابع من اكتوبر 2023 بحق المواطنين الإسرائيليّين وما يحدث اليوم في غزة ومثله ما حدث وما زال في السويداء في سوريا من منطلقات أقلّ ما يقال فيها أنها تسييس للدين وهو منها براء. وما إيراد وذكر الأمثلة على كيفيّة تجيير التاريخ لخدمة أهداف سياسيّة، أو صبغ الماضي الجيّد بصبغة ولون الحاضر الدمويّ، سببها توجّه مقصود من جهة تستسيغ أو تستسهل التوجّه إلى المواقف الدينيّة الأكثر تشدّدًا وتطرّفًا وإصدار الفتاوى التي لا تستوجب التفكير العقلانيّ، بل تنبت من الغرائز والخطابات الشعبويّة وهي الأسهل دينيًّا وفي كل الديانات، حسب القول الشهير عن الحاخام اليهوديّ الشرقي المعتدل عوفاديا يوسف الذي قال إنه من الأسهل ولكن الأخطر على رجال الدين، أو المتحدّثين باسم الدين الميل إلى التفسيرات المتطرّفة فهي الأسرع ولا تحتاج إلى اجتهاد وتفكير وتحليل، بل رؤية الأمور بمنظار الكلّ أو لا شيء ، والأبيض أو الأسود. وهو ما نراه اليوم من توجّه في طرفي النزاع يعتمد التعميم والجمع فكلّهم قتلة وكلّهم "حماس" وكلّهم إسرائيليّون وكلّهم كذا وكذا. والتعميم كذلك حول الدين خاصّة في أوقات الأزمات الدمويّة، وبالتالي فالاستنتاج المطلوب التوصّل إليه، لحلّ الصراع وتخفيفه وتجفيف منابعه هو الإيمان الحقّ بأن الديانات والمذاهب واضحة التعليمات والفرائض والتوجّهات، لكنّها وللأسف ليست ذات تفسير أو اجتهاد واحد، وهنا مكمن الخطر. والمطلوب هو الإدراك في نفس الوقت أن اليهوديّة لا تمتلك جوهرًا داخليًّا واحدًا، بل اجتهادات وتفسيرات مُتنوّعة ومتفاوتة يُمكن تسخيرها لتلبية أهداف سياسيّة وأيديولوجيّة مُختلفة، وهذا ينطبق بالضبط بل تمامًا على الإسلام وبنفس المقدار، فالإسلام ليس فقط، وليس بالأساس، الوجه المُلطخ بالدماء الذي نُعاني منه حاليًّا في الصراع بين الطرفين والذي يُصاغ في كثير من الحالات بلغة دينيّة، تتعمّد التضليل واستخدام مصطلحات الجهاد بعكس مرادها، فالحرب هي الجهاد الأصغر، والدليل هو الحديث الذي ينسب إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) للمحاربين بعد عودتهم من الحرب: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". في إشارة إلى أن الجهاد الأكبر وصاحب القيمة الأسمى والأعلى هو أن يتُعلّم الإنسان أن يواجه غرائزه المظلمة الداعية إلى العنف والاستئثار، وتفضيلها على أيّ حرب خارجيّة، فقد جاء في أقوال الحكماء اليهود: "البطل الشجاع هو من يواجه غرائزه وينتصر عليها"، ومعنى ذلك في كلّ الديانات، السعي إلى إصلاح الداخل وتقويم الاعوجاج وضمان الحريّة والمساواة للجميع وخاصّة النساء. وهو أي الجهاد الأكبر الذي سبق ذكره، ما تم في إندونيسيا وهي أكبر الدول الإسلاميّة التي يمتاز العمل الدينيّ الرئيسيّ فيها هو العمل الداخليّ، وقد اهتموا تاريخيًّا أيضًا بمكانة إدماج المرأة في أدوار هامة (وللشفافيّة، زارني الرئيس الإندونيسيّ السابق المسلم، الدكتور عبد الرحمن وحيد، في بيتي المتواضع في بلدة دالية الكرمل، والذي كان قد تلقى وأكمل دراسته الأكاديميّة في بغداد بالعراق). وكذلك هو الأمر ذاته ما يجب أن يتمّ وفق الشريعة اليهوديّة التي تؤكّد أهميّة العلاقة السلميّة بين الشعوب ورفض القتل والاعتداء إلا دفاعًا عن النفس، ففيها من أنقذ نفسًا كمن أنقذ الدنيا ومن فيها، ومن قتل نفسًا كمن قتل الدنيا ومن فيها، لكنّ تسييس الدين واستخدامه وسيلة لتبرير وشرعنة أيديولوجيّات سياسيّة هدفها السيطرة وتحصيل القوة السياسيّة، وربما تحقيق مآرب شخصيّة، عبر إبراز الوجه المتطرّف للدين، ومحاولة إسكات كافّة الأصوات العقلانيّة المعتدلة دينيًّا والتي تعتبر الدين دستور حياة وليس برنامج عمل سياسيّ.. وهو الحال في كافّة الديانات.

"الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضيّة"
وفي سياق الحديث عن جعل الدين دستور حياة، واتّباع الاعتدال والانفتاح والتسامح فيه لبناء مجتمع سليم وسلاميّ ومسالم، وليس برنامج عمل سياسيّ يرد ذاكرتي القول الشهير المنقول عن أحمد لطفي السيد المفكّر المصري، المولود عام 1872 وتوفي عام 1963، والذي وصف بأنه رائد من رواد "حركة النهضة والتنوير" في مصر. ووصفه عباس محمود العقاد بأنه أفلاطون الأدب العربيّ، والذي لم يخف آراءه التي نادت بالولاء للمصريّين كجماعة، أي للمصلحة العامّة والشاملة وللشعب والمجتمع كلّه على اختلاف انتماءاته الاجتماعيّة وليس الدينيّة، حيث يقول لطفي في صحيفة الجريدة أنه يجب على المصرييّن أن لا يجعلوا الدين بأيّ حال من الأحوال أساس عملهم وولائهم السياسيّ، وأن عليهم أن يتخلّوا عن التعصّب الدينيّ، لأن مثل هذا التوجّه السياسيّ ذريعة لبقاء البريطانيين في مصر، في إشارة إلى تبنّي المعنى الحقيقيّ للدين الذي يدعو إلى بناء المجتمع أولًا، وهو الجهاد الأكبر والداخليّ، منح الفرد قدرًا كبيرًا من الحرّية وضمان تعليمه وكرامته واقتصاده وصحّته، فهو رغم إشغاله مناصب عديدة وزاريّة منها وزير الداخليّة ووزير المعارف ورئيس مجمع اللغة العربيّة، صاحب المقولة الشهيرة: "الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضيّة"، كما نادى بتعليم المرأة ومساواتها، وتخرّجت في عهد رئاسته للجامعة المصريّة أّول دفعة من الطالبات، وقوله المتعلّق بمن ينسون الماضي الجميل لأممهم، ويحاولون صبغه بألوان الحاضر السيء جهلًا أو عمدًا أو بادّعاء الوطنيّة والكرامة القوميّة والالتزام بتوجّه سياسيّ، أو دينيّ معيّن دون غيره: "لا تتم وطنيّة المرء إلا إذا عرف أمّته، قديمها وحديثها، فإن من جهل قديمها فهو مدَّع في حبّها، لأن من جهل شيئًا عاداه".... وهذا في سياق النزاع الإسرائيليّ العربيّ والفلسطينيّ، ما فعله المتطرّفون، ومن امتطوا صهوة الدين سلاحًا سياسيًّا لخدمة مطامح ومطامع شخصيّة، فاعتمدوا الحاضر السيّء صورة عامّة، أو عمموها متجاهلين الماضي الحقيقي للعلاقات بين اليهوديّة والإسلام والتأثير والإثراء المتبادل بينهما، وذلك عبر دعم من الحكومات في المنطقة لحركات إسلاميّة أصوليّة من المجاهدين في أفغانستان وحتى يومنا هذا، ودعم توجّهات دينيّة سياسيّة يهوديّة خلاصيّة واستيطانيّة متزمّتة في إسرائيل، واعتبار من لا يتساوق مع هذه التوجّهات السلفيّة والمتزمّتة، مثل الأقليّات العرقيّة والدينيّة في بلادها، جماعات تتم إباحة دمها وشرعنة اضطهادها وقتلها، والأنكى من كل ذلك شرعنة وتأييد الحرب والقتل، وجعلها نوعًا من الحرب الأزليّة مهما كلّفت الجميع من ثمن، فهي في عرف المتطرّفين من الطرفين واتفاقهم الخطير والدمويّ، أمر ربانيّ دينيّ لا مفرّ منه، وليست حالة ونزاعًا يمكن حلّه. وهذا للأسف ما يقبله كثيرون دون تفكير أو تمحيص، ولنأخذ بقول العالم ألبرت أينشتاين الحاصل عام 1922على جائزة نوبل للفيزياء: "2% من البشر يفكّرون، 3% من البشر يظنّون أنهم يفكّرون و95% من البشر يفضّلون الموت على أن يفكّروا".


panet@panet.co.ilاستعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ

إعلانات

إعلانات

اقرأ هذه الاخبار قد تهمك