مقال : فلسفة التاريخ في التفاعلات الرمزية للعلاقات الاجتماعية
توظيفُ فلسفةِ التاريخ في التفاعلات الرمزية للعلاقات الاجتماعية يُعْتَبَر مُحاولةً لتفسيرِ مَصَادِر المعرفة ، وتَتَبُّعِ آثارها في الأساسِ الأخلاقي للمُجتمع ، والقواعدِ الوجودية للغة ،
ة
إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن - صورة شخصية
والجُذورِ العميقة للثقافة . وإذا كانَ الوُجودُ يَسْبِق المَاهِيَّةَ ، فإنَّ التاريخَ يَسْبِق الحضارةَ ، وهذا يَعْني ضَرورةَ توليدِ آلِيَّات معرفية لتفكيك تفاصيل وُجود التاريخ في ماهيَّة الحضارة ، ويُوضِّح أهميةَ تَكوين أدوات نَقْدِيَّة للتنقيب عن مَواضع الاتِّصَال والانفصال في التاريخِ والحضارةِ معًا. وإذا كانت العلاقاتُ بين العناصر أهَمَّ مِن العناصر ذاتها ، فإنَّ مصادرَ المعرفة أهَمُّ مِن المعرفة نَفْسِها، لأنَّ المَصَادِر هي المَنَابِع ، ومَنْبَعُ المعرفةِ هو أصْلُها الذي يُحدِّد طَبِيعَتَهَا الحياتية ومَسَارَهَا الوجودي . وتأثيرُ العلاقات الاجتماعية لا يَكْمُن في المَظهرِ الخارجي ، أو الحركةِ الوهميَّة النابعة مِن الوَعْي الزائف ، وإنَّما يَكمُن في الرُّمُوز التي تَحملها العلاقات الاجتماعية ، وهذه الرُّمُوزُ هي الحاضنةُ الشرعية للمعايير الفكرية دائمة التفاعل ، والقُوَّةُ المُحَرِّكَةُ لفلسفة التاريخ كَإرثٍ ثقافي وتُراثٍ حضاري . وكما أنَّ فلسفة التاريخ لا تَنفصل عن إرادة المعرفة ، كذلك سُلطة الوَعْي لا تَنفصل عن إرادة السَّيطرة . وهذه السَّيطرةُ لا تَعْني تأسيسَ العلاقاتِ الاجتماعية على القَهْرِ واستغلالِ نِقَاط ضَعْف الآخَرين ، وإنَّما تَعْني التَّحَكُّمَ بمسارات الوَعْي في الواقع المُعاش مِن أجل الكشف عن الحقائق الكامنة في بُنية الفِعل الاجتماعي ، بِوَصْفِه الطريقَ الفِكري إلى تحليلِ الدَّلالات الذهنية ، وتأويلِ السُّلوكياتِ الواقعية ، مِن أجل تَوظيفِ الغرائزِ والرَّغَبَاتِ في كِيَان الإنسان وكَينونته _ دَليلًا ودَلالةً ومَدلولًا _ ، للمُحافظة على اتِّزَانه وتَوَازنه ، ولَيس لتحويله إلى ذِئب لأخيه الإنسان .
فلسفةُ التاريخِ تُمثِّل مرحلةً عابرةً للزمانِ والمكانِ ، وتُؤَسِّس لمعرفة جديدة بِهُوِيَّةِ الإنسان الوجودية ، وسُلطةِ المُجتمع العقلانية ، التي تُعاد صِياغتها باستمرار كَي تتلاءمَ معَ إفرازاتِ العَقْل الجَمْعي ، وتنسجمَ معَ المصالح الفردية والجماعية . والإنسانُ عِندما يُوظِّف فلسفةَ التاريخ لفهمِ عناصر هُوِيَّتِه ، واستيعابِ مُكَوِّنَات سُلطة المُجتمع المُحيطة به مِن كُلِّ الجوانب، فإنَّه سَيَغْدُو إنسانًا جديدًا ، قادرًا على تجديد إنسانيته باستمرار، لَيس بمعنى تغيير جِلْدِه ومبادئه، ولكن بمعنى تحويل أنساق حياته إلى آلِيَّة للتفكير الإبداعي، ولَيس الاستهلاك المادي ، وتحويل الظواهر الثقافية إلى سِيَاسَات اجتماعية فَعَّالة ، تُسَاهِم في تكوين هَيكل مَعرفي تنظيمي للوظائفِ الدَّلالية للغة، والأحلامِ المَكبوتة للإنسان، والتأثيراتِ الظاهرية للآلَةِ. وعمليةُ التنظيم لَيْسَتْ دفنًا للنار تحت الرماد ، وإنَّما هي خُطوة أُولَى لتجميع الأضداد والتناقضات ، ثُمَّ صَهْرها في بَوتقة الوَعْي الخَلاصِيِّ لصناعة منظومة مَعرفية وُجودية منطقية مُتماسكة ، تُفَجِّر الطاقةَ الرمزية في اللغة ، وتُحَرِّر أحلامَ الإنسان مِن المَأزق الوجودي ، وتَمنع سَيطرةَ الآلَة الميكانيكية على الشُّعور الإنساني .
اللغةُ _ إنسانيًّا وشُعوريًّا ورمزيًّا وزمنيًّا وحضاريًّا _ هي التلخيصُ الفلسفي للوجود ، والوُجودُ هو الامتحانُ الحقيقي للفِعْلِ والوَعْيِ معًا، والفِعْلُ الاجتماعي مُعَلَّقٌ بشرط الوَعْي الخَلاصِيِّ ، وإذا وَقَعَ الشَّرْطُ وَقَعَ المَشروطُ، أي إنَّ الوَعْي الخَلاصِيَّ إذا تَكَرَّسَ على أرض الواقع كخريطة طريق لإنقاذ الإنسانِ والمُجتمعِ ، فإنَّ الفِعْل الاجتماعي سَيَتَكَرَّس في المَجَالَيْن الرَّمزي والحِسِّي كَمَنظور للحَيَاة بِكُلِّ تفاصيلها . والفِعْلُ تابعٌ للوَعْي ، وهذه التَّبَعِيَّةُ لَيْسَتْ علاقةً زَمنيةً فَحَسْب، بَلْ هي أيضًا صِيغةٌ عقلانية لِضَمَانِ التماسكِ الداخلي في البناء الاجتماعي، وربطِ الشكل الخارجي بهوامش المُجتمع ، مِن أجل نقلها إلى المَركز ، بحيث يُصبح المُجتمعُ الإنسانيُّ حُلْمًا جماعيًّا يتشارك الأفرادُ في صِياغته ، ولَيس كابوسًا يُطَارِد الأفرادَ فَيَهْرُبُون مِنه . وهذا مِن شَأنه تحقيق التكامل بين البُنية والهُوية ، وتفعيل الانسجام بين الرمزية والماهيَّة ، فيُصبح الإنسانُ قادرًا على التعبيرِ عن أحلامه بلا كَبْت ولا خَوْف، ويُصبح المُجتمعُ قادرًا على تحويل البيئة المَحصورة بين الأضدادِ والمصالحِ المُتَضَارِبَةِ ، والمُحَاصَرَةِ بالوَعْي الزائف ، إلى نظام معرفي ديناميكي ، يُعيد رُوحَ التاريخ إلى جسد الحضارة ، فيتخلَّص التاريخُ مِن ثُنائية ( الضَّحِيَّة / الجَلَّاد ) ، وتتخلَّص الحضارةُ مِن ثُنائية ( الغنيمة / الرَّهينة ) .
من هنا وهناك
-
الحسّ الأنثوي في رواية ‘رحلة إلى ذات امرأة‘ للروائية المقدسية صباح بشير - بقلم : علاء الأديب
-
‘ في ذكرى وفاة أبي: لا عزيز ينسى ولو مرّ على وفاته ألف عام ‘ - بقلم : الكاتب أسامة أبو عواد
-
‘ أرجوحة ماغوطيّة ‘ - بقلم : حسن عبادي من حيفا
-
‘ تغيير الواقع ‘ - بقلم : د. غزال ابو ريا
-
المحامي زكي كمال يكتب : العنصريّة داء الأمم وبداية تفكّك الدول
-
‘ بدون مؤاخذة-التّكيّف والتّهجير ‘ - بقلم : جميل السلحوت
-
مقال: الولاء بين التقاليد والحق - بقلم: منير قبطي
-
‘ بلدتي بين الامس واليوم‘ - بقلم : معين أبو عبيد
-
‘رأيٌ في اللغة .. في مـِحنة اللّغة ومَعاني ‘الاشتهار‘ .. قُل: اشتَهَر، وقُل: اشتُهِر‘ - بقلم: د. أيمن فضل عودة
-
المحامي محمد غالب يحيى يكتب : التعاون مطلوب، الاقصاء مرفوض والبديل موجود
أرسل خبرا